اميرة عبدالله تكتب : فرار المعاير ولغتنا الجميلة
اعلم- علمك الله- أن لغتك هويتك وكينونتك، ومن لم يعتز بلغته، فهو لا شيء، وإنك واجد في لغتنا الأم لهجات شتى، وكلها تجمعها أصالة جذرية، وتربطها قرابة لغوية، ولها من الخصائص ما لم يكن لغيرها، وفيها ثروة ليس في غيرها ربعها، ثم تجد شباب الجيل يستعرضون على ألسنتهم لغة أجنبية، وهم في ذلك كالنازحين أوطانهم!
وإني لأعجب من شباب اليوم، يفرون من اللغة الأم فرار المعاير!! ويحركون ألسنتهم بلغات الأجانب في تباه وتفاخر!!
أنا لا أنقص قدر لغاتهم؛ إنما أعتز بلغتي، ولا خير فيمن لا يعتز بلغته، وقدر لغتي فوق كل قدر، أنا من دون لغتي لا أكون، ولست أبالغ في هذا، ويشهد ربي صدق شعوري وقولي حين أهتف: أغار عليها، نعم أغار!
إن شعبا لا يعتز بلغته؛ لا تنتظر منه أي شي، وإن أمة لا تعتني بلغتها؛ فأقم عليها كل المآتم.
أنا لا أرجو لغة فصيحة في كل ميادين الحياة؛ لأن هذا ليس ممكنا بالمرة؛ إلا إذا كنا على خشبة مسرح أدبي! -وهذا مثالي أصبح نادرا-؛ لكن على الأقل ينبغي أن نحتفظ بذخيرتنا العامية التي هي أدنى صور التعبير عن العربية، والتي في أغلبها لها تأصيل لغوي”عاميتنا المصرية يا أخي”؛ لكن انظر إلى شباب اليوم؛ تتكلم مع أحدهم؛ ينظر إليك كأنك من القرون السالفة!! أو كأنك تتحدث بكلام أعجمي! ويرد عليك بكلمة أو كلمتين من الإنجليزية التي سمعها، وحفظها، ورددها كالببغاء!
قابلت إحداهن ممن لست أعرفهن، ودار حوار خاطف، كانت تسألني عن شيء؛ فأجبتها، وإذا بها تتماسخ بالإنجليزية، مصورا لها عقلها الضيق أنني لست أفهم مثلا، أو أن هاتيك الكلمتين شيء مبهر بالنسبة لي!! فرددت عليها باللغة العربية، ليس عجزا مني، إنما وددت أن أعلمها أن للعربية هيبة ووقارا، وأنا أهل لذلك، وأولى به، وكفاني فخرا وتيها.
بت أحدث نفسي في أسف وحيرة! ما هذا؟!!
منذ بضعة أيام كنت أقرأ بعض الوريقات مكتوبة آليا، تابعة للمدرسة التي تعمل فيها أمي، فوجدت بها أخطاء لغوية، قلت لأمي: هذا الكاتب أخطأ في كذا وكذا.قالت: ” مش مشكلة يا أمورة الحاجات دي لبتوع العربي بقا”!!!
فسكت!!!
وبعد يومين جلست معها وأبي أمام التلفاز، فسمعت أحد المذيعين يتخبط في ظلمات الفقر اللغوي، وعشوائية النطق الركيك، لا يعرف المرفوع من المجرور أصلا!!! فعلقت عليه، فقالت أمي الطيبة:” مش مشكلة يا أميرة الحاجات دي لبتوع عربي” !! فتعجبت! وغضبت!
قلت لها: يا أمي الحبيبة، أود أن أفهم” بتوع عربي دول عايشين في المجرة لنفسهم بنفسهم مع نفسهم؟؟؟” في انعزال تام!!!! فضحك أبي، وقال: اهدئي يا أميرتي.
يتعاملون مع صاحب اللغة العربية بهزأة وسخرية، كأنه أبو جهل العصر!! انظر أفلام السينما قديما وحديثا، كانوا ولا يزالون يعمدون إلى عرض مدرس اللغة العربية في صورة مزرية، كأنه خف عقله!! أو أنه متخلف لا يرتقي، ولا يواكب زمانه، ويكون فقيرا غير مهندم، ويأتون على مدرس اللغة الأجنبية فيعرضونه في أبهى صورة!!! حتى دسوا السم في عقول البراعم المجني عليها!
وإذا أطلقت بصرك نحو الأجانب؛ وجدت لغتهم تجري في دماهم، وها نحن أمة مجرجرة منساقة، تمشي إلى حيث يجرها جار!! ولله الأمر!
Yoast