آراء

محمد الغريب يكتب: الصحافة الخاصة.. تجارة الرق المبارك

في اليوم العالمي للصحافة يبادر البعض إلى مباركة لا تغني ولا تسمن من جوع، فمن بارك ضلالي ومن تقبل أكثر منه ضلالاً، فلسنا اليوم في مهنة يمكن أن تكون بخير كي يكون العاملون عليها كذلك، ولست في نظرة تشاؤمية فالأمر ليس فيه مجالاً لأن تتباين الأوجه في الحكم، في وقت تتعالى دعوات هجر كليات الإعلام ونبذها على ما فيها من مستقبل يحمل حسرة وانتكاسة في نهايته.

ومع توصيف وضع ربما لا يخفى على العامة بسطائها فضلاً عن مثقفيها، بات بدل التدريب والتكنولوجيا هو الحد الأدنى والأمنية القصوى لانتشال فقراء القوم المتعففين عن سؤال الناس -وإن فعل بعضهم ذلك، عن مزاحمة المتسولين والمشردين في طرقات المحروسة، عن الانتحار جميعا أو فرادا، عن الهجرة مشروعة وغير مشروعة بحثاً عن الآدمية المفقودة وهم يرون حد أدنى للموظف يفوق أجورهم وعمالة يومية أفضل حالٍ مما هم فيه.
مشاهد الواقع الذي يحياه آلاف الصحفيين الذين ربما الأفضل حالاً من هم في المؤسسات الحكومية لاعتبارات وظيفية أكثر منها اعتبارات مهنية أو استقرار ذاتي، يقابله مشهد الرق الذي تعج به كثير من المؤسسات الخاصة التي لا سلطان عليها ولا رقيب إلا في أمور معينة، هؤلاء الرقيق الذين أثقلوا بأعباء الحياة وتحملوا مرارتها دون أن يكون هنالك تجريم قانوني أو ديني يحرم تلك التجارة التي ربما انتهت من قواميس البشر، ليبقوا هم خارج حسابات البشرية أو المواطنة على حد سواء.
وقائع الرق في أشباه المؤسسات معلومة ولا تتطلب أن يكون الإعلام ذلك الحمى الذي يلوذ به المستضعفين من كل الطوائف بحثاً عن حقه أن يسلط الضوء عليها وهو يصم آذانه ويخرس ألسنته ويعمى عدساته في أن يعكس حال هؤلاء العبيد الذي هم جنده لعون المحتاجين، فبالأمس القريب كانت رواتب الصحفيين ممن سلكنا طريق المؤسسات الخاصة يفوق أقرانهم في المؤسسات القومية وكان الالتحاق بها حلم صعب مراسيه إلا أن الحال تبدل في أعقاب الخامس والعشرين من يناير 2011 وربما في أعقاب الثلاثين من يونيو 2013 على وجه التحديد، باتت الرواتب مسح جوخ أو صدقة فطر لصاحب العزبة، يعاقبه وقتما أراد أن يكافيء مطبل آخر، ويهينه وقتما أراد أن يظهر للعامة كمتصدق كريم.
أعياد ومناسبات يحتفي بها من يحتفي فلست سوى الأجير الذي يقول له صاحبه “مبعترفش غير بعيد الفطر والأضحى بس”، وليته يفعل ويصدق بل إن صدقة الفطر وعطاء الأضحى عنده يومين بما يسمح العمل ويمن عليك بأخذهما، خصومات لا تعرف أي عدالة أو ضمير وتخضع لأهواء والظروف الخاصة لصاحب العمل ذكراً أو أنثى فكلاهما يتشابه في الظرف الشهري فيتعامل معك بمزاجه الخاص.
يكفي أن تقول لمن يهنئك كفى متاجرة، وصارحه بأن راتبك في بعض أسواق النخاسة يشابه ما كنت تتدرب به في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك مع فارق الحال الاقتصادي واعتبارات الوضع الاجتماعي ودخول الأغنياء وقتها، يكفيه أن تشر إلى أن الأجير في بلاط صاحبة الجلالة الاثنين أو الثلاث يعادل موظفاً عمومياً بأدنى درجاته، بل إنه لا يتساوى مع صبي في إحدى الحرف اليومية، ناهيك عن تلاعب في تأمينه ومستقبله وإهدار عمره تحت شعارات واهية نظير” اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته.. حاجة بتستر.. لحد ما تشوف مكان أحسن.. أنت أحسن من غيرك”.. وقبل أن أغادر بلاط صاحبة الجلالة وتجارة الرق فيها أود أن أشيد بابتكارية لجنة حقوق المرأة وودت لو كان في المقابل أن تستحدث لجنة لمهنة الصحافة أو للتعريف بالصحفي وحل مشاكله”.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى