آراء

وائل عبدالفتاح الغبيسي يكتب: مواطن يستحق الإعدام

 

ما ان هبطت قدماي من الحافلة ، فتلمست اديم الأرض المبتل- بعد أن أوشك المساء أن يغمض جفناه- حتى سمعت صراخا، ورأيت الناس يهرولون فى ذهول، فتبعتهم إلى الساحة الشرقية حيث يتوافد الخلق بالمئات..

ولما كنت غائبا عن المكان منذ ما يقرب الشهر فقد انثال إلي القلق مستفحلا. الحق أني خشيت ان يكون ثمة خطب لحق بأهلي..

و مما زادني خوفا هو رؤيتي لسيارة الاسعاف والانقاذ النهري على مشارف القرية. أناملي لا تطاوعني لأرفع الهاتف، فقد خشيت قسوة الرد وصدمته..لهج لساني بالدعاء ..

جاهدت نفسي فاقتربت من جماعة قد افترشت الارض.. ارهفت اذناي، فسمعتهم يتكلمون:

– مصطفى السيد البنا ..إلى رحمة الله! ألقى بنفسه في النهر عصر اليوم.

– كيف! فلا يزال غرا صغيرا لم يتخط السادسة عشر.

– الحكاية موجعة.

وسرعان ما غمرتني السكينة الفطرية التي كنت أنشد ما أن سمعت اسم الفتى ..

وبرغم مقتى الشديد لوالده إلا أنني قد دهمتني مرارة الفاجعة .أردف احد الجالسين:

– منذ شهر و نصف رماه والده بالطريق، وكان الوقت شديد البرودة ينذر بعاصف ، فآوى الفتى ليلا بمسجد القرية وأقام أمامه ثم عن للفتى فانتزع لحافا كان على سطح منزل مجاور اتقاءا للبرد.

بعد يومين عثر على أغراض بيعت بسوق القرية، وبالتحري عرف الفاعل . تم اقتياد الفتى الى والده، فقال لهم باقتضاب:

– ليس لي أولاد، فلتفعلوا به ما شئتم.

– وماذا فعلوا به؟ هل ذهبوا به إلى الشرطة؟

– نعم وبكل اسف و رعونة.

– وأين والدته؟

– طلقت في صمت شديد و هو ابن عشر سنين..

ولما رغب الفتى فى رؤيتها منعه والده، فذهب إليها خلسة، فكسته والدته ثيابا جديدة ، فما كان من والده- عندما علم – إلا أن أحرق الملابس و طرده.

شعرت بدوار شديد و فضول ينخر بمفاصلي تزامن مع مأساة أليمة عصفت بي لفتى آخر طلقت والدته قبل سنتين بأمر سام من جده ، وطرد والده قبل أشهر، فطاف الفتى على منازل أعمامه المنيفة فأغلقت الأبواب دونه، فاستأنس بالعراء حتى التقطه رفاق السوء.

و سمعت همهمة تنذر بقدوم شيء ، و تحرك الناس من أماكنهم، وقد اطبق الظلام، فأنار البعض مصابيحهم الكشافة ، وهتف هاتف وسط الزحام:

– يوشك الغريق أن يصل!

وازدحم المكان بالخلق، و خرج من بينهم امراة يخنقها النحيب تترنح في مشيتها. علمت انها والدة الفتى ..انبرت تدعو على والده بانكسار و حزن:

– أسأل الله ان يحرمك من عينيك التي تبصر بها. و يبدو ان والد الفتى قد سمعها، فابصرته يشق طريقه مسرعا.. لا يبد عليه اثرا للحزن.

ما ان رأى والدة الفتى حتى قبض على كتفيها بشدة .. واعتصر شعرها، فطرحها أرضا وسط صراخ النسوة و تزاحم الرجال. قال بغلظة:

– لقد ذهب ما كان يربطك بي، والآن سترين !

ولم يمهلني الرجل لأعي ما يقال..فقد انتهي كل شيء في صرخة واحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى