“شيء من الخوف”.. وفنون “مصر” العريقة .

بقلم الوزير… خالد عبد العزيز
في فيلم “شيء من الخوف” الذي أُنتِجَ عام ١٩٦٩ للمخرج الجريء “حسين كمال”، تضاربت الآراء حول الرواية المأخوذ عنها الفيلم، والتي أبدعها الأديب الرصين “ثروت أباظة“.
فهل كانت “صوت مصر” الفنانة الرائعة الشاملة “شادية” رحمها الله، والتي لعبت بأداء منقطع النظير دور “فؤادة حافظ”، كانت ترمز في هذا الدور إلى “مصر”؟، وهل أشار “عتريس” الذي أدَّى دوره ببراعة الفنان القدير “محمود مرسي” -ولو من بعيد- إلى الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر” الذي كان يحكم “مصر” في ذلك الحين؟، والذي قيل أنه قد شاهد الفيلم قبيل عرضه سينمائياً، ولم يمنعه، وبذلك يستحق الإشادة .
لكن “بالنسبة لي على الأقل” فإن مشهد “فؤادة” وهي تفتح “الهويس”لتنهمر منه المياه على الأرض العطشانة، و”شيء من الخوف” يعتلي وجهها، مختلطاً بشيء من الفرحة والعِزّة، ودموع تصارع الإبتسامة دون أن تنتصر إحداهما على الأخرى، هو أهم مشهد سينمائي مصري إشتمل في لحظاته القليلة على مجموعة من أعظم الفنون والآداب المصرية الحديثة .
فدائماً تبدو لي “شادية” أنها هي الفلاحة المصرية الشامخة في تمثال “نهضة مصر” الذي نحته العبقري “محمود مختار” عام ١٩٢٠، بنفس شموخها، مرتدية نفس “الطرحة”، وقد تركت قاعدة التمثال أمام جامعة القاهرة، بعد أن ربتت على رأس “أبو الهول” تستأذنه، لتذهب تفتح “الهويس” لتنهض مصر، فاستقبلتها عنده موسيقى العبقري “بليغ حمدي” التي بدأت نغماتها مخيفة بطيئة قلقة حائرة، وتسارعت تباعاً مع خرير الماء وانهماره إلى موسيقى مبهجة راقصة، فولكلورية تصحبها الزغرودة المصرية الشعبية الخالدة .
كيف استطاع هذا المشهد – دون أن يحتوي على أي حوار- أن يجمع بين أدب “ثروت أباظة” ونحت “محمود مختار” وتمثيل “شادية” وإخراج “حسين كمال“، وموسيقى “بليغ حمدي” والكاميرا تعرض صورة أرض مصر الطيبة الخصبة الضاربة في جذور التاريخ، والتي أنبتت كل هؤلاء العظماء .
فنون “مصر” لها دائماً أن تنشد وتغني، على غرار وبهدي كلمات شاعر نيلها”حافظ إبراهيم” عن مجدها التليد، في قصيدته الخالدة “مصر تتحدث عن نفسها” :
إن “فني” في الأوليات “بديع”
من له مثل أولياتي و “فني” .