آراء

د.فتحي حسين يكتب : امى حمامة السلام ورسول الحكمة

لا يمكن أن تمر مناسبة الاحتفال بعيد الام في الواحد والعشرين من مارس من كل عام ،دون ان نشكر الكاتبان الصحفيان مصطفي وعلي امين اللذان جعلا هذا اليوم عيد لكل الامهات ، وجعلنا نكتب عن فضل ودور الامهات الفضليات ليس في بلادنا فحسب وانما في العالم كله .

فالأم ،كما قال الشاعر ” مدرسة إذا اعددتها ،اعددت شعب طيب الاعراق” وهي حمامة السلام والحنان ورسول الحكمة والبهجة والسرور ،وقيثارةالسماء التي تبث المحبة في الارض والاستقرار الأسري والذي لولاها لتحولت الدنيا الي غابة ومستنقع يرتع فيه كل صاحب مصلحة ولا يهمه الا ذاته فقط.

وامي العظيمة هي سيدة من نوع فريد ،اعتبرها اعظم طبيب نفسي في العالم ، فبمجرد الجلوس الي جوارها تتساقط منك هموم الدنيا وضغوط الحياة ومسئوليتها ،رغم أنها لم تنل أي حظ لها من التعليم ،الا أنها تتميز بالحكمة والفصاحة في الحديث والكلام وحسن التصرف في مختلف المواقف وكما يقولون ” ست بمئة راجل” ،ودوما ما تصاحب كلامها ،ابتسامتها المعهودة ،بوجهها البشوش ، التي تبث في وجه كل من يتحدث إليها الطمأنينة والسلام وراحة البال

وامي قصة كفاح عظيمة ،كنا نحن اولادها الأربعة، محور فصولها حتي الآن ،بالاضافة الي اقاربها واحفادها . فقد كنت اريد امي بعد وفاة والدي بمثابة الرجل والمرأة معا ،تقوم بحسن تربيتنا علي القيم والمبادئ الأخلاقية الحميدة الراسخة التي نادرا ما نجدها في هذا الجيل من الأمهات ،مثل التضحية والرجولة وتحمل المسؤولية والصبر وقوة التحمل والأمانة والإخلاص في العمل،فضلا عن اشتغالها في البيت بماكينة خياطة صغيرة، لكي تنفق علي المعيشة وأسرتها الصغيرة دون أن تسمح لأحد أن يقدم لنا المساعدة ،فقد كانت تسهر الليالي لإنجاز الخياطة وتفصيل المفروشات وملايات السرير للمحلات في شارع المعز لدين الله “الغورية” حتي الصباح ونحن نائمين ،وعندما نستيقظ نجدها لا تزال جالسة علي الماكينة ،تعمل في صبر وقناعة ورضا ،نشاط ،حتي اوصلتنا جميعا الي مختلف مراحل التعليم الجامعي ،وقد حصلت انا علي درجة الدكتوراه ،بفضل الله ودعاء امي ،وتزوجنا جميعا بمساعدتها ،وعمل اخواتي احمد ومحمد وماجدة، في أعمال خارجية ،حتي استطعنا أن نعبر الازمات المختلفة ، بعد وفاة الوالد ونحن صغار لا نملك من الحياة اي شيء .

ما أعظم اللحظات عندما وجدت الفرحة في عين امي قبيل زيارتها الي المسجد النبوي والقيام بالعمرة ،وسعادتها بنجاحنا في مراحلنا الدراسية المختلفة ، وبعد الشفاء من امراضنا وتعبنا في الصغر ، وزواج اختي الكبري وأخواتي الأكبر والأوسط

ولكن تأتي الرياح احيانا بما لا تشتهي السفن ،فقط مرضت امي بالسكر والضغط وهي من الامراض المزمنة لكبار السن والصغار أيضا ،وعندما تراكمت المرض عليها ،صبرت ورضيت بقضاء الله،وتحملت تبعات المرض، وزاد الأمر وتأثير السكر سوءا عندما قامت بإجراء جراحة عاجلة، فصبرت أيضا ،وشكرت الله كثيرا علي قضاءه ،ووجدت سعادتها في وجودها وسط أبناءها واحفادها في بيتها الذي لا يخلو منا علي الاطلاق ،فنحن نعيش معها واخي الأكبر محمد ،وهب نفسه للجلوس معها دائما وترك عمله وابتعد عن بيته لاجل امي،بعد أن صارت امي قعيدة لا يمكنها المشي بمفردها !

واكتفت امي بالدعاء لنا كعادتها والصبر والاحتساب عند الله عدم قدرتها علي المشي بسبب السكر اللعين.

امي أعظم نساء الكون ،واعظم من اي سيدة ،كزوجتك ،لان الأخيرة تعطيك بمقابل وتنتظره منك بعكس امك لا تنتظر منك شيء وتعطيك بلا مقابل !
وفي أثناء الاحتفال بالعيد ،رحلت عن الدنيا ،سيدة بمنزلة امي تماما وكانت صديقة ورفيقة دائمة لامي وهي زوجة خالي الأكبر عبد العال ، وهي الحاجة ” حسيبه” ،والتي ابكت الجميع علي رحيلها قبيل الاحتفال بعيد الام .

كل سنة وانت طيبة يا امي في عيدك ،وربنا يعطيكي الصحة والعافية ويجعلنا دوما تحت اقدامك يا اعز الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى