آراء

د.ألفت حلمي سالم تكتب: ياصبرك

أيها الصبر الصابر على خلق الله جميعًا … يا صبرك فلو نظرت للناس من حولك لرأيت أن الكل يدعي وجودك في حياته ويؤكد على أنه صابر .. بل ويؤكد على اللجوء إليك دائمًا في أوقات شدته وعثراته .. فالكل يدعي أنه صابر، وحين تقول لأي شخص في شدة أصبر تجده يرد عليك أنا صابر … فهل هو صابر حقًا هل نحن صابرون حقًا على ما كتبه الله لنا وما قضته علينا الأقدار، فقد أخبر النبي ن (أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له).

ولكن يؤكد ابن القيم (أن من لا يصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلتزم أن يكون القضاء خيرًا له).

فلابد من الصبر عند الشدة، والشكر عند النعمة، ومن لا يقوم بالصبر والشكر فإن قضاء الله لا يكون خيرًا له في هذه الحال.

إذا الصبر الصادق له شروط:

وهذه الشروط لابد أن تكون على علم بها جيدًا حتى نكون كما ندعي (صابرين) بالفعل وليس بالقول. صبرًا حقًا صبرًا جميلًا.

أولًا: عدم الشكوى:

فلا تجعل الشكوى أساس أحاديثك تحكيها وترويها لكل من تقابله. فمن تشتكي أيها الإنسان، تشكو ربك أم تشكو قدرك أم تشكو ربك للناس من حولك… تشكو القوي للضعيف وماذا تنتظر من إنسان ضعيف مثلك ينتظر هو الآخر صبرًا على قدره، ألا تعلم أيها الإنسان أن الرسول ن قال: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله).

كن مقتديًا بالأنبياء … ألم تعلم أن سيدنا يعقوب حين تأمر أولادك على أخيهم وأخفوه … وتأسى على يوسف ولم يشكو لأحد على وجه الأرض … لم يحدث إلا ربه وقال (إنما أشكو بني وحزني إلى الله)…. وهذا ابتلاء عظيم أن تشك في أولادك في قتل أخيهم أي ابتلاء هذا.. نحن لا نستطيع تحمل نصف هذا الابتلاء … فتأدب أيها الإنسان مع ربك، وأحمل قسمتك على كتفك وكَيِّفْ نفسك على أقدارك وحاول السعي قدر جهدك فتؤجر وتنجح.

ثانيًا: الرضا بما قسمه الله لك:

يقول (ن): (إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا).

فإن ما يصبك من أقدار الله لا يكون إلا خير حتى لو كنا لا ندركه أو لا نعلمه، ولكن اليقين في عطاءات الله لنا مهما كانت يؤكد رضاك عن قسمة الله لعباده، وإيمانك بعدله فهو سبحانه لا يظلم أحدًا، وإذا وثقت في اختياره هذا البلاء لك أنت فذلك لأن قدرتك تتسع لهذا الابتلاء وأنت لا تعلم فتمر به وتنجح فيه بل ويفيدك في مستقبلك وأيامك فتُثاب على صبرك على البلاء وتنعم بالفرج بعد الضيق وتكون كما قال سبحانه (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُون)()، راغبون في رضاه، راغبون في حبه، راغبون في كل ما يرضيه بالعمل الصالح، بالصبر على الصعاب، بالعبادة الحقة، بالصبر اليقيني الواثق في رحمة الحق وفضله علينا.

والصبر أنواع قد لا ندركها:

صبرًا على المعاصي والآثام

وصبرًا على الطاعات والالتزام

وصبرًا على المصائب ونوائب الأيام

وصبرًا عند الغضب من الأنام

والمؤمن الحق يصبر على قدر تحمله واستطاعته

فيا أيها الصبر… قد صبرت كثيرًا وتحملت كثيرًا، اصبر علينا أكثر فليس لنا إلاك لنركن ظهورنا عليك، فأنت الصاحب والصديق في هذه الحياة أنت الملجأ والملاذ، أم نحن لا نستحق أن ندخل الجنة بغير حساب … فضلًا اصبر علينا لنشعر بالأمان فإن وجودك يعني وجود الحق سبحانه معنا.. فأرجو منك أن تتحملنا وتمهلنا وسوف نصبر صدقًا وفعلًا وعملًا.. أعدك بذلك.

كاتبة المقال دكتوراه فى الفلسفة الاسلامية جامعة عين شمس

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى