محمد عبد الجواد يكتب: بوتين فى السعودية.. زيارة ظاهرها الاقتصاد وباطنها السياسة

على وقع طبول الحرب التى تدق فى منطقة الشرق الأوسط وبين صرخات الاستغاثة والانين التى يصدرها الضحايا فى سوريا واليمن وأصوات البنادق والمدافع والصواريخ والطائرات وتصاعد التوتر فى منطقة الخليج العربى وخصوصا مع إيران فى ظل اشتعال حروب ناقلات النفط والطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التى تهدد السعودية هبطت طائرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على الأراضى السعودية التى لم يدخلها منذ 12 عام وتحديدا منذ 2007 .

الزيارة قد يرى البعض أن هدفها الرئيسى تحفيز الاستثمار والتجارة وزيادة حجم الاسستثمارات بين البلدين بعد تراجع أسعار النفط الخام، وهبوط إيرادات الدول المنتجة للنفط، حيث يرى الرئيس الروسي أن الرياض قبلة جيدة لتحفيز رؤوس الأموال الروسية إلا أن الجانب الخفى من الزيارة قد يتناول إعادة هندسة الأوضاع السياسية الملتهبة فى الوطن العربى وخصوصا فى اليمن وسوريا التى تعد روسيا لاعبا رئيسيا فيها.

بوتين سيسعى خلال الزيارة إلى تبنى وجهة نظر السعودية التى تعارض الهجوم التركى على الأراضى السورية فى مقابل مكاسب اقتصادية على غرار ما فعله ترامب خلال زيارته التاريخية للمملكة لكنها لن تكون بنفس القيمة أو الرقم أى أن الزيارة ستنطلق بمكوك الاقتصاد للهبوط فى قاعدة السياسة.

بوتين والملك سلمان بن عبد العزيز سيناقشان بالتأكيد الاستثمار فى مجالات الطاقة والزراعة والصناعة والتعاون العسكري التقني وإنشاء مجمع بتروكيمياوي باستثمار يزيد عن مليار دولار في السعودية، تقوده شركة «سيبور- هولدنغ».

وللتأكيد على الغطاء الاقتصادى للزيارة قال بوتين «سأبدأ من الاقتصاد» لأن السعودية تقوم حاليا،بعملية توسيع في قطاعات الاقتصاد غير النفطي، أبرزها صناعات السيارات وأجزاء الطائرات،والسياحة الترفيهية والبحرية، وهو ما يجعلها قبلة للاستثمارات العالمية حيث تبحث الدولتين عن مشاريع اقتصادية جديدة، لتفعيل قاعدة الاستثمارات التى تم الاتفاق عليها من قبل باستثمارات 10 مليارات دولار، تم استثمار مليارين دولار منها فقط حتى الآن.

30 وثيقة، هى إجمالى ما تم تحضيره للاتفاق عليه خلال الزيارة بما في اتفاقات تجارية، وسيوقع صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي اتفاقات فى حدود ملياري دولار، وستركز المباحثات على آفاق التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة والتعاون العسكري التقني والتبادلات الثقافية والإنسانية.

ووفقا لتأكيدات الرئيس التنفيذي للصندوق الروسي للاستثمار المباشر، كيريل ديميتريف، فأنه يمكن توقيع 14 اتفاقية جديدة مع عدد من الشركات السعودية، فى صفقات تتجاوز 3 مليارات دولار.

وتسعى السعودية لجذب استثمارات فى حدود 70% بقطاع النقل بحلول 2020 وجذب استثمارات فى شركة أرامكو فيما تسعى روسيا للاستثمار في محفظة كبيرة من إيجار الطائرات.

زيارة بوتين للسعودية يراها البعض تاريخية لأنها تأتي في وقت يشهد تحولات إيجابية كبيرة في العلاقات بين البلدين بعد فترة التوتر التى شهدتها العلاقات بينهما قبل 4 سنوات.
وتعمل روسيا حاليا بقوة مع أرامكو وسابك على عدد من المشاريع الكبيرة في روسيا ودول أخرى، للتوسع في مجالات عديدة مثل الغاز الطبيعي السائل، وتسعى بقوة لجذب استثمارات سعودية في البنية التحتية الروسية، كما أنه هناك 10 شركات روسية مهتمة بالاستثمار في المملكة العربية السعودية في البنية التحتية السعودية ومشروعات لتطوير البنية التحتية في بعض مدن المملكة
حجم التبادل التجاري الروسي السعودي في الفترة من يناير إلى يوليو 2019 سجل ارتفاعاً نسبته 38 % على أساس سنوي؛ ليصل إلى 846 مليون دولار، بعدما تم إنشاء منصات روسية سعودية للاستثمارات في قطاع الطاقة، وفي القطاع التكنولوجي باستثمارات مليارى دولار.

حاجة قيادة البلدين إلى تحسين الاقتصاد، والحصول على موارد لتنفيذ مشروعات كبرى في روسيا و«رؤية 2030» السعودية، دفعهما إلى التقارب وتمديد اتفاق «أوبك بلاس» والحديث عن مشاريع استثمارية وإنتاجية مشتركة رغم أن التبادل التجاري بين البلدين تجاوز مليار دولار، بقليل وتوجد المملكة في المركز 68 بين شركاء روسيا التجاريين، بحصة لا تتجاوز 0.25 % من تجارة روسيا الخارجية، خاصة وأن التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة تجاوز 70 مليار دولار، دون حساب تجارة الأسلحة.

وتبنى موسكو أمالا كبيرة على اسهام سماح المملكة باستيراد القمح الروسي في زيادة حجم الصادرات والاستئثار بحصة أكبر من السوق السعودية، إلا أن هذه الزيادة لن تعطي قيمة إضافية كبيرة لأن المنتجات الزراعية ربحيتها محدودة مقارنة بالصناعات المتقدّمة.
زيارة بوتين للمملكة ستشهد توقيع 30 اتفاقية، منها 10 اتفاقات استثمارية واقتصادية، تحتاج روسيا إليها بشدة ، نظراً للعقوبات الغربية المفروضة عليها منذ 2014،على خلفية ضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، واغتيال عملاء سابقين، والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016.

الجانب الأهم فى الزيارة هو تجارة الأسلحة، لأنه بعد تجربة معظم ترسانة الأسلحة الروسية فى سوريا ، تستهدف موسكو زيادة مبيعاتها للسعودية، وسارعت موسكو بعد أيام من الهجمات على منشأتين لأرامكو في منتصف الشهر الماضي، إلى استغلال الوضع، وأغرت السعودية بشراء منظومة إس 300، وإس 400 للدفاع الجوي لضمان حماية أي منشأة في السعودية.

التعاون العسكري بين البلدين لن يذهب بعيداً، ولن يقارن نهائياً مع الصفقة الأميركية السعودية في منتصف 2018 التى بلغت 110 مليارات دولار وقد تقتصر الصفقات الروسية مع السعودية على بعض المركبات العسكرية، والأسلحة الخفيفة، وسيظل الجانب الروسي يبقى مستفيداً، لأن مجرد الحديث عن تصدير منظومات الدفاع الجوي إلى السعودية يعدّ ترويجاً مجانياً للأسلحة الروسية التي بات بإمكان روسيا أن تقول إنها مجربة في “الحرب على الإرهاب” في سورية، ويتسابق على اقتنائها الفرقاء من إيران إلى تركيا وإسرائيل مروراً بالسعودية.

ومع تصاعد حرب الناقلات والتوتر في الخليج العربي، لم تفوت روسيا الفرصة وعرضت، في يونيو الماضي، مشروع طورته على مدى عقدين من أجل ضمان الأمن في الخليج بهدف إنضاج الحوار حول مبادرة تنصّ على خمسة بنود، تقترح بدء مشاورات ثنائية ومتعددة الأطراف في إطار مجلس الأمن الدولي أو جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، لتشكيل مجموعة عمل تقوم بتحضير مؤتمر دولي للأمن والتعاون في منطقة الخليج.

ورغم الغطاء الاقتصادى للزيارة إلا أنها ستبقى مثل جبل الجليد الظاهر منه أقل من المختفى فى الماء حتى تتضح كافة تفاصيلها وستبقى زيارة ظاهرها الاقتصاد وباطنها السياسة وقد يكون لها انعكاسات كبيرة على الأوضاع فى سوريا واليمن وحدة التوتر مع إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى