آراء

محمد الغريب يكتب: التعليم عندنا «كده رضا»

 

لم يكن الثلاثة أحمد حلمي في فيلم كده رضا، سوى انعكاس لمردود التعليم في عصري طارق شوقي ورضا حجازي، فكلاهما نسخة لا تختلف في تفكيرها وواقعها عن رضا والبرنس وبينهما سمسم، الذي يجسده حال التعليم الباحث عن طبيب نفسي ينتشله مما يعانيه من شخصية جار عليها الزمان حتى بين إخوته.

وعلى غرار «سمسم» يبدو أن ما وضعه «شوقي» إبان إدارته ملف التعليم من عشوائية الباحث عن ديكور التكنولوجيا، لرامات مبانٍ عفى عليها قرون العصور الوسطى، خطى الوزير الحالي حذو سلفه، مخيبًا الآمال التي علقت على أكتافه بأن يكون قادرًا على انصاف المعلم وإعادته لجوهر العمل التعليمي الذي غيب بقرارٍ ظاهره التابلت وباطنه البوكيلت وواقعه سيستم خارج نطاق الخدمة.

ونحن على أعتاب عامٍ دراسي جديد، لم يكن لتواجد الوزير الرضا على رأس عامٍ ماضٍ أي جدوى، ليكون مقدمة العام غير باعثة على التفاؤل كما هي عادة الوزارة.

تخبط في موعد البدء، غياب للمناهج الدراسية، تجاهل تام لمخاطبة الرأي العام في شأن نظام التعليم هذا العام، ولست هنا مطالبًا بـ “مكلمة مؤتمرية”، قدر ما أرغب كـ ولي أمر أبدأ رحلة عام دراسي هو الأول لابنتي، مُجابا: ماذا غير الملبس والكتب علي أن أوفره لها؟، فقد أضحيت أخشى أنا أجد علي توفير معلم أو معلمة لها في جنبات مدرسة لم تعد سوى مبانٍ خاوية على عروشها، حظائر لا تعرف الجمال إلا حين الزيارات المفاجئة -المعلومة مسبقا.

لست أخشى وأنا على بعد أسبوع واحد من بدء العام الجديد ألا أجد مُعلمًا فقط، بل أخشى أيضا أن تتحول الساحة المدرسية لحلبة صراع وشجار محتدم بين طلاب فرضوا على تلك المنطقة النائية التي لم تسلم في السابق من غزو العمالة، لتجد نفسها في مطمع من نوع آخر وأن تكون منفى الوزارة للطلاب الجدد من كل حدبٍ وصوب.

آمال لن أعقدها على مجرد برندات مدرسية سرعان ما تتشابه في فحواها ومضمونها الخاوي من التربية والتعليم على حدٍ سواء، فلم تعد الرسالة المرجوة من المعارف سابقًا سوى تحصيل حاصل، ولن يكون الغد بأفضل من الأمس إلا إذا كانت هنالك خارطة واضحة لمعالم التعليم والهدف منه.

تتطلب المنظومة التعليمية في نظري كمعلم قبل أن أكون أبًا إعادة الهيبة المفقودة أمام عالم البيزنس والمال، وأن تعود المدرسة محرابًا يفي بجميع رغبات الطالب علميًا وتربويًا وترفيهيًا، ألا نكون في صراع بين المكتوب وما خلفه الفضاء الإلكتروني من فوضوية الإتاحة وعشوائية المعرفة، أن تتدرج إن رغبت في الوصول إلى تعليم إليكتروني من القاعدة علمًا بقاعدة التعليم في الصغر، وألا تكون رغبتها في التحول الإلكتروني انسلاخ وانتزاع لهوية أمة أكثر منه تطوًيرا يصب في صالحها.

ألا يكون للمادة عنصرًا حاكمًا قدرما يكون مكملًا ومساهمًا في تطوير التعليم وتهيئة بيئة التعلم، وأن نتوقف عن التقليد لكل ما هو غربي في وطن أول من خطى بالكتابة والتدوين.

ختامًا لست ممن يرغبون في إقالة الوزير رضا حجازي لمجرد الإقالة، قدر ما يكمن التغيير الجذري في أن يتنحى أحد أفراد جيل متخبط غير هادف؛ عن منظومة هي قلب الوطن وسبيل عودته للحياة، فنحن بحاجة لإرادة حقيقية وفلسفة ترسخ لأمة كانت سباقة في إعجازها المعرفي والحضاري ودانت لتكون جزءً لا يتجزأ من أمة اقرأ، فأضحت لا تتقن التشبث بماضيها أو تستطيع مواكبة حاضرها، لذا علينا أن نخلق جيلًا هو أحد أساسيات الجمهورية الجديدة التي تبنيها الدولة وتسعى من خلالها لإعادة شعاع وبريق الدولة المصرية الخافت منذ عقود لتراجع مستويات التعليم بها وإن لم ينضب علمائها.

زر الذهاب إلى الأعلى