آراء

محمد حربي يكتب: هدنة غزة الأولى شفرة مصرية – قطرية


بشفرة مصرية – قطرية، وتنسيق دبلوماسي ثنائي، بين القاهرة والدوحة، بدأت هدنة غزة الأولى، التي طال انتظارها، في الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة، الرابع والعشرين من شهر نوفمبر لعام 2023، بعد ما يقرب من سبعة أسابيع من الحرب، راح ضحيتها نحو خمسة عشر ألف شهيدا فلسطينيا تقريبا، لتتوقف خلالها – بشكل مؤقت -، ولمدة أربعة أيام، جميع الأعمال العسكرية، والقتال بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية ” حماس “، وقوات الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، من أجل دخول المساعدات الإغاثة والإنسانية الأشد احتياجا للفلسطينيين، مع تبادل الأسرى والمختطفين من الأطفال والنساء، من الجانبين.
ووفقا لما جرى الاتفاق عليه بين مصر وقطر مع الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن هدنة غزة الأولى، فإنه سوف يتم إطلاق سراح 13 رهينة ممن تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية ” حماس “، منذ بدء القتال مع قوات الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر 2023، وفي المقابل تفرج إسرائيل المحتلة عن 150 امرأة وطفلا فلسطينيا محتجزين في سجونه، بجانب منح أكثر من مليونين من فلسطيني فرصة إلتقاط الأنفاس، ودخول نحو 2500 طن من المساعدات الإنسانية المتنوعة لأهالي القطاع، بواقع 200 شاحنة يوميا، والبدء في عملية إصلاح للبنية التحتية المدنية .
وإذا كان هناك من ينظر إلى هدنة غزة الأولى، على أنها تسليم أمريكي، وإستسلام صهيوني إسرائيلي، بالفشل في عدم القدرة على تحقيق أي حلول، أو فرض السيطرة على أرض الواقع، عن رغم فرق العدة والعتاد، وأحدث الآليات العسكرية، وجسور الإمداد التي لم تتوقف من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فهي تمثل هزيمة سياسية لقادة جيش إسرائيل، إلا أنه إذا أخذنا خطوة للخلف، ربما ظهرت لنا صورة المشهد أكثر وضوحا، ورأينا أن هناك شفرة مصرية – قطرية، كانت لها كلمة السر في إنجاز هذه الهدنة المؤقتة لإلتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق.
وبعيدا عن سياسة النعام، ولا حتى جلد الذات.. علينا أن نواجه أنفسنا كأمة عربية، ونعترف بفارق السرعات السياسية، والدبلوماسية، والإعلامية، بيننا وبين اللوبي الصهيوني اليهودي على مستوى العالم، الذي خلق ما يسمى بالكيان الإسرائيلي من مجرد “بروباغندا “إعلامية، بدأت بفكرة من العقل المدبر الصحفي اليهودي السويسري تيودور هرتزل، وتبلورت خلال مؤتمر الصهيونية العالمي الأول في 29 أغسطس عام 1897.. تلك الحقيقة يسجلها التاريخ، وليس من العيب التسليم بها، ولكن الخطأ الأكبر، ألا نفكر في كيفية الإعداد الجيد لجولة جديدة من المواجهة، ولعل البداية تكون من الشفرة القطرية – المصرية.
وإذا كانت الدبلوماسية المصرية – القطرية، بشفرة ثنائية، حققت إنجاز هدنة غزة الأولى – المؤقتة-، ووقف قتال احتدم لما يقرب من خمسين يوما، استخدمت فيها قوات الإحتلال الصهيوني الإسرائيلي، وبدعم أمريكي، كل ما هو مشروع، ومحرم من أسلحة القتال والحرب، ضد الأشقاء الفلسطينيين، وسقوط أكثر من 14500 شهيد فلسطيني، فإن هذه الهدنة ما كان لها لتتحقق بدون قوة التأثير المصري- القطري، وقدرات كلا البلدين، وما لديهما من أوراق يتفردان بها، وتمنحهما الثقل العربي، والإقليمي، والعالمي.
ليس من الحكمة أن نتخطى الشفرة المصرية – القطرية، ودورها في إعادة اكتشاف ذاتنا، لتكون نقطة إنطلاق جديدة، لمزيد من التوافق الدبلوماسي بين جمهورية مصر العربية ودولة قطر الشقيقة، من أجل التطلع بعد هدنة غزة الأولى، نحو وقف شامل للأعمال العسكرية الصهيونية الإسرائيلية ضد الأشقاء الفلسطينيين، وإكمال للدور الذي قامت به ، خاصة وأنه كانت هناك جولة للجنة العربية الإسلامية المشتركة، شملت الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، لخلق رأي مساند من الأطراف دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، لوقف الحرب على القطاع.
نحتاج إستراتيجية لاستثمار طاقاتنا، وتوظيف قدراتنا، بما يحقق مصالحنا العربية، ويخدم قضية الأمة الأساسية، القضية الفلسطينية، ومن الأهمية أن نفكر فيما هو أبعد من مجرد، طرق أبواب الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن القومي، لذهب لمخاطبة الرأي العام العالمي الحر، ونستثمر الصورة الذهنية التي صنعها مونديال قطر في كأس العالم عام 2022، والإنجاز القطري غير المسبوق في إعادة رسم صورة صحيحة للثقافة والشخصية العربية الإسلامية في عيون العالم، بعد أن عاش دهرا أسيرا للتضليل الإعلامي الصهيوني، ودعونا نبدأ وننطلق من نجاح الشفرة المصرية- القطرية في هدنة غزة الأولى.
كاتب صحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى