آراء

وائل الغبيسي يكتب : الغريب و مأساة غزة

 

تزدان الناحية بالركام وكأنها لوحة عبقرية مدبوغة بالبطولة. هنا لعبت أنامل صغيرة.. تدفق سيل من النشاط البشرى علي أشده. يخفت الصوت تاركا ياسر ذي العشرة أعوام ..

هنا حضرت عمته ذات يوم محملة بالهدايا، فأغدقت عليهم، وطاف بهم جمع من الرفاق، فأصابوا من النفحة الميمونة، حتي جيرانهم المسيحيون بادلوهم التهاني .. واليوم رحلوا وبقيت آثارهم.. لم يبق سوى الألعاب منزوعة الروح، بل إن بعضها قد أصابته اللعنات.. هناك سرداب لا يعلم به أحد سوى ياسر والأموات، وعليه تفقده عله يجد من يلوذ منهم بالحياة. الطريق صوبه – على قصره – طويل مشوب بالعسر الطافح، وكأنك تسير على صراط يتململ.. بانت كوة..

هناك أصوات تنشد البقاء.. عجوز يكافح بأنامله ليجلو عن وجهه الحجارة الساقطة، بعدما كتبت له النجاة.. جاهد ليتكلم:

– قتلوا الكل وتركوني!! لا حاجة لي بالحياة.

لقد كان العجوز يعلم بكل تلك المشاهد قبل أن تنمحي.. ناشد الصبي:

– لم أذق طعامًا منذ يومين!

ابتسم الغلام رغم الحزن الدفين:

– ولا أنا.. منذ أسبوع!

سارا قليلًا.. قال العجوز مستغربًا:

– لمَ حضرت يا بني؟

– رجوت أن أجد من عائلتي من هم على قيد الحياة؛ فأنقذهم، أو موتى فأواريهم.

– وهل تعرفني؟

– لا!

– ديفيد مائير شلهوب

– والد الضابط منفذ مذبحة خان يونس الأسبوع الماضي!!

– لا ذنب لي!!

– لا تخش شيئًا.

– أين سمحون.. لم أره من يومين.. وأيوب.. كانا يفدان لي بالطعام فافتقدتهما.

– وقعا أسري!

طافت به الذكريات فتذكر ابنه وهو يقتلع ألسنة الأسرى ويفقأ أعين الأطفال بافتخار. قال بحذر:

– ماذا أنت فاعل بي؟؟

– علمنا الكبار أنا لا نقتل الأسرى.. بل نكر.

وطارت الكلمة فى حلق السماء مع صوت كالرعد..

زر الذهاب إلى الأعلى