شعبان شحاتة يكتب: فصـل القضاء يورث الضغائن
مبدأ منع الصلح فيما يخالف الشرع واقــرار الصلـح بـشـروطه مـا دام فـى نطاق الشرع وحدوده:
قال عمر بن الخطاب في رسالته لابي موسى الاشعری رضی الله عنهما “والصلـح جائز فيما بين الناس إلا ما احل حراما وحرم حلالا” هذا وقد ورد الصلح في القـران الكريـم في اماكن كثيرة قال الله عز وجل (لا خير في كثير من نجواهــم ألا مـن امـر بصدقـة أو معروف أو اصلاح بين الناس)
وقال تعالى “وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما”وقال تعالى في سورة النساء “وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما مـن اهلها إن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما، أن الله كان عليما خبيرا” وقال تعالى فـي نفـس السورة “وان امراة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحـا بينـهما
صلحا والصلح خير”
وينبغي للقاضي أن يعرض على المتخاصمين الصلح. فالاصلاح بين الناس فيما يقـع بينهم من الخلاف والتداعي في الاموال وغيرها ولنا في رسول الله الاسوة الحسنة فـروى أن اهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فاخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال :”اذهبوا بنـا نصلح بينهم. وكذلك روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صـوت خصـوم بالبـاب عالية اصواتهما واذا احدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شئ وهو يقـول : والله لا افعـل.فخرج الرسول عليه الصلاة والسلام فقال : اين المتألى على الله ؟ ألا يفعل المعروف ؟ فقــال
أنا يا رسول الله فله أي ذلك احب وقد عرض جابر بن عبد الله علـى غرمـاء ابيـه أن ياخذوا الثمر بما لهم عليه فابوا ولم يروا فيه وفاء فاخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلـك فقال له:”إذا جذذته ووضعته في المربد فأذني” فلما كان ذلك أذنه فاتي هو وابو بكـر وعمـر رضي الله عنهم فجلس عليه ودعا بالبركة فيه ثم قال : ادع غرسا ولا فأوفهم ” فعال منه لاهـلى دينه وبقى منه مثل الذي كان فيه بعد قضاء الدين.وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ألا أنبئكم بافضل من درجة الصائح والقائم؟ قـالوا
بلى يا رسول الله قال : اصلاح ذات البين، فان فساد ذات البين الحالقة، أما اني لا اقول تحلـق
الشعر ولكن تحلق الدين” رواه أبو داود والترمذي والامام مالك في الموطأ.
وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية احرص على الصلح بين النـاس ما لم يستبن لك القضاء”. وقال عمر رضي الله عنه “ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان فصـل القضاء يورث الضغائن بين الناس” رواه عبد الرازق لي المصنف. وحث علـى الصلـح ولا سيما إذا كانت بين المتخاصمين قرابة وشال لذلك الآيات الكريمات التي تحث على الاصـلاح
بين الزوجة والزوج في حالة وجود الشقاق بينهما.
ولكن ليس على القاضي الالتزام بالصلح وانما يجب عليه الاشارة وعرض الصلح فقط فان رفض كلاهما أو احدهما فلا يجبرهما بالالزام ولكنه يفصل بينهما بواجب الحـق صريـح الحكم. وقد جاء في صحيح البخاري أن الزبير بن العوام خاصم رجلا من الانصار في شـراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اسق يا زبير ثم ارسـلى إلى جارك” فغضب الانصارى فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجـه الرسـول
صلى الله عليه وسلم ثم قال “اسق واحبس حتى يبلغ الجذر” فاستوفي رسول الله صلى اله عليـه
وسلم للزبير حقه وكان قبل ذلك قد اشار على الزبير حقه في صريح الحكم.
ويقول ابن القيم رحمة الله تعالى في اعلام الموقعين : (والصلح الذي يحـل الحـرام ويحرم الحلال كالصلح الذي يتضمن تحريم بضع حلال أو احلال بضع حرام. أو ارقاق حـر أو نقل نسب أو ولاء عن محل إلى محل أو اكل ربا أو اسقاط واجب أو تعطيل حـد أو ظلـم ثالث وما اشبه ذلك. فكل هذا صلح جائر مردود. فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمـد فيه رض الله سبحانه ورضا الخصمين فهذا اعدل الصلح واحقه وهو يعتمد العلم والعدل فيكون المصلح عالما بالوقائع عارفا بالواجب قاصدا للعدل فدرجة هذا افضل مـن درجـة الصـائم القائم) واخرج البيهقي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليـه
وسلم “الصلح جائز بين المسلمين ألا صلحا احل حراما أو حرم حلال” فكل شـرط صلـح يشترط عليه المسلمين هو جائز ما دام يسمح به الشرع وما دام لم يحل الحـرام أو يحـرم الحلال وهذا قول جمهورا هل العلم. وفي نفس المعنى يقول عمر بن الخطاب “فاحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصـل القضاء
وقال ابن قدامة : (واذا اتصلت به الحادثة واستنارت الحجة لاحد الخصمين حكـم، وان كان فيها لبس امرهما بالصلح، فان ابيا آخرهما إلى البيان، فان عجلها قبل البيان لـم يصلـح حكمه. وممن راى الاصلاح بين الخصمين شريح وعبد الله ابن عتبة وابو حنيفـه والشـعبى والعنبرى وروى عن عمر أنه قال : “ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يحـدث بين القوم الضغائن” قال ابو عبيد : انما يسعه الصلح في الامور المشكلة أمـا إذا اسـتنارت
الحجة لاحد الخصمين وتبين له موضع الظلم فليس له أن يحملها على الصلـح ونحـوه قـول
عطاء واستحسنه ابن المنذر وروى شريح أنه ما اصلح بين متحاكمين الامرة واحدة)
وكان الامام الثوري رحمة الله تعالى يرى أن اخذ الحق بالقوة بقضاء القاضي بـورث الضغائن. أما اخذه بالمسامحة وطيب النفس يشيع الود والحب ولذلك كان رحمـة الله تعـالى يرى أن على القاضي أن يرد الخصوم حتى يصطلحوا إذا كانت الخصومة بين الاقارب، لئـلا يؤدى القضاء إلى قطع الارحام، كما كان يرى رد الخصوم ليصطلحوا إذا لـم يتبيـن الحـق واضح للقاضي ولكن إذا تبين الحق فلا ينبغي للقاضى رد الخصوم.
ويجوز للقاضي أن يرد الخصوم إلى التصالح وان يقبل هذا الصلح الذي ينتهون اليـه ما دام محققا للرضاء بينهم لاحيف فيه ولا جور فلا يحل حراما لا يقـره ديننـا ولا يحـرم حلالا لان في ذلك عدوانا على دين الله وظلما كبيرا قال عمر بن الخطاب ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فـان فصـل القضـاء يـورث
الضغائن بين الناس. فان عادوا يصلح يتفق مع شرع الله امضاه القاضي وان كان صلحـهم لا
يتفق مع احكام الشريعة نقضه القاضي.
قال عمر : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا احل حراما أو حرم حـلالا وعلـى القاضي أن يحرص على الصلح خاصة بين المتخاصمين إذا لم يتبين له الحق.
فقد كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية : احرص على الصلح بين الناس ما لم يسـتبن لك القضاء أو كان بين المتخاصمين قرابة قال عمر ردوا الخصوم إذا كانت بينهم قرابة فـان فصل القضاء يورث بينهم الشنأن .ولكن لا يجوز للقاضي أن يصلح بين المتخاصمين بمال يدفعه هـو. لان ذلـك دليـل
ضعفه، فقد استعمل عمر قاضيا فاختصم اليه رجلان في دينار، فحمل القاضي دينارا فاعطـاه
المدعى. فقال عمر : اعتزل قضاءنا
كاتب المقال شعبان محمد شحاتة رئيس القلم الشرعي بمحكمة العدوة