إسلام عبد الرحيم يكتب: عودة طابا انتصار للعقل والحكمة

يعد استرداد طابا واحدًا من أهم الإنجازات التاريخية التي حققتها مصر ليس فقط لأنه استعادة لأرض مصرية، ولكن لأنه أثبت قدرة الدبلوماسية المصرية على الانتصار دون اللجوء إلى القوة العسكرية، لقد كان هذا الانتصار بمثابة شهادة حية على ذكاء المفاوض المصري وإصراره على استعادة حقوق وطنه، مستخدمًا كل الأدوات القانونية والدبلوماسية المتاحة.
أدركت مصر منذ البداية أن استعادة طابا لن تكون بالأمر السهل، لكنها اعتمدت على استراتيجية واضحة تتمثل في استخدام الأدلة التاريخية والخرائط الرسمية التي تثبت ملكية مصر لطابا، وبالفعل، شكلت الحكومة المصرية فريقًا من أمهر القانونيين والخبراء في مجال الخرائط والتاريخ والجغرافيا، لجمع كل الوثائق التي تدعم موقفها.
تضمنت الأدلة المصرية خرائط قديمة تعود إلى فترة الاحتلال البريطاني لمصر، ووثائق رسمية تثبت أن طابا كانت دائمًا ضمن الحدود المصرية، إضافة إلى شهادات خبراء عالميين أكدوا صحة هذه الوثائق..في المقابل حاولت إسرائيل التلاعب بالخرائط والتفسير القانوني للحدود، لكنها فشلت في تقديم دليل قوي يدعم مزاعمها.
انتصار مصر الدبلوماسي.. بعد سنوات من المرافعات والبحث القانوني، أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها في 29 سبتمبر 1988 لصالح مصر، مؤكدة أن طابا جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية، كان هذا الحكم بمثابة انتصار كبير للدبلوماسية المصرية، التي نجحت في استعادة الأرض بالحجة والمنطق والقانون، دون الحاجة إلى المواجهة العسكرية.
في 19 مارس 1989، تم رفع العلم المصري على أرض طابا، في مشهد تاريخي يعكس عودة الأرض إلى أصحابها الشرعيين، ويؤكد أن الحقوق المشروعة لا تسقط بالتقادم، بل تحتاج إلى من يدافع عنها بقوة وإصرار.
كما يعتبر استرداد طابا نموذجًا يحتذى به في كيفية تحقيق الأهداف الوطنية بوسائل سلمية، حيث أظهرت هذه القضية أن الدبلوماسية المصرية قادرة على تحقيق الإنجازات حتى في أصعب الظروف.
وبعد استعادتها، تحولت طابا إلى واحدة من أهم المناطق السياحية في مصر، حيث تجذب آلاف الزوار سنويًا لما تتمتع به من طبيعة خلابة، وشواطئ رائعة، ومنتجعات فاخرة، كما أن وجودها بالقرب من الحدود المصرية الإسرائيلية جعلها رمزًا للتعايش والسلام بعد عقود من الصراع.
ختامًا، يظل استرداد طابا شهادة على قدرة مصر على الدفاع عن حقوقها، ليس فقط بالسلاح، ولكن أيضًا بالدبلوماسية والعلم والقانون، لقد أثبتت مصر أن القوة لا تعني دائمًا الحرب، بل يمكن أن تكون في العقل والمنطق والحكمة، وهو الدرس الذي سيبقى خالدًا في صفحات التاريخ.