آراء

عماد نصير يكتب: مصر تنتصر لغزة

يختلف البعض أو يتفق على فاعلية الدور المصري وريادته في حلحلة أزمات الملف الفلسطيني بجدارة واقتدار، ويطلق البعض الخيال لأمانيه وثقته في جبهات دولية أخرى، وبين هذا وذاك فالمحصلة النهائية وفك الشفرة وكلمة السر والقول الفصل دائما ما يصاغ بجمل مصرية ويكتب بمداد مصري لا تخطئه عين.

على مدار عامين كاملين تحملت مصر كعادتها وبسعة صدرها المعهودة، وابل من الاتهامات بالتراخي تارة والخذلان تارة أخرى في رأب الصدع ودفع الظلم عن الأشقاء في قطاع غزة، وكأن العالم كله ينحصر دوره خلف تحركات الإدارة المصرية، وربما كانت هذه هي النقطة الوحيدة الصحيحة في ذلك الصراع الذي اتسعت دائرة خسائره البشرية والمادية، وعاني فيه الجانب الإسرائيلي كما عانى سكان القطاع مع الفارق في شكل وحجم المعاناة، حتى يتسنى للصوت المصري أن يجد الوقت المناسب والظرف العالمي الذي يستوعب ويعي الرؤية المصرية ويرضخ لها.

لن نقف كمصريين موقف المدافع بتبرير عن الدور المصري أبدا، فمصر أكبر وأعظم من أن يحاول أحدنا بقلمه أو بصوته أن يشرح ويبرر ويظهر للخارج موقفها الداعم للقضية الفلسطينية منذ 1948م، ولن ننساق في سباق الكلام الرنان والكلمة المنمقة وكأننا نحاول أن نغرس أو نستجدي الفهم الصحيح للدور المصري في عقول أحدهم، فمن لم يعي من خلال عشرات المواقف والعقود المنصرمة حجم الدور المصري الفاعل والمؤثر والهام، لا فائدة من محاولات إفهامه أيضا.

منذ أعلنت الإدارة الأمريكية في أكثر من موقف عن نيتها تهجير سكان القطاع، وبرغم من ذلك الزخم الإعلامي الذي اجتاح العالم رفضا لتصفية القضية بتصفية القطاع من سكانه، برز الدور المصري كلاعب رئيسي ومؤثر، بل لا مبالغة لو قلنا لاعب وحيد بحكم سنوات الخبرة في الملف ذاته، ورفض رفضا قطعيا أي حديث عن التهجير، رفضا لم يستمع لأي إملاءات أو إغراءات أو ترهيب، فمصر حين تقف مع شقيق لا تدافع عنه كجار، بل يظهر موقفها جليا كصاحب قضية وصاحب حق أصيل في القول الفصل فيها، وهذا ربما يكون أمرا أكبر من فهم بعض جهلاء فقه السياسة المصرية وأولوياتها المستندة إلى أمنها القومي.

لم تدخر مصر جهدا في رسم الأخوة واقعاً مع سكان القطاع، بل رسخت ذلك في تعاملها مع قرابة 110 ألف جريح تلقوا العلاج اللازم في مستشفيات مصرية مثلهم مثل أبنائها وعلى الأسرة ذاتها وبالعلاج نفسه بل وبدماء المصريين، مصر كان لها عصى السبق في إدخال المساعدات الإنسانية مرات ومرات، وفق أسس تحفظ لها أمنها وعلاقاتها المتزنة واتفاقياتها مع مختلف الأطراف العالمية، مصر على مدار عامين لم تهدأ دبلوماسيتها الخارجية ولم تدخر جهدا في محاولة الوصول إلى هدنة تارة وتهدئة تارة أخرى وتبادل للأسرى حتى تصل إلى ما نشهده اليوم من وقف شامل لإطلاق النار، والوصول إلى التهدئة الشاملة حتى إعادة الإعمار الذي لم ولن يتم بدون دعم وجهد وأياد مصرية، حتى وإن كان التمويل من داعمين آخرين، والأمثلة كثيرة لا يتسع لها المقام.

شهدنا جميعا حجم الفرحة التي يعيشها سكان القطاع منذ أن تم إعلان وقف إطلاق النار قبل أيام، وبرغم الدمار الهائل الذي يعاني منه القطاع على مستوى البنية التحتية والفوقية، إلا أن مجرد العودة ولو للركام كان حلم للمهجرين، فشبح حق العودة لأسلافهم دائما ما يخيم في مخيلاتهم، وهناك أصوات كثيرة على مستوى العالم تنادي بسرعة إعادة الإعمار والحياة إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر وبدء الصراع المسلح، وبالفعل أعلن الاتحاد الأوروبي عن رصد 5 مليارات لذلك الغرض، تدفع على مراحل تمتد إلى ثلاث سنوات من العمل.

ولا شك أن العرب سيكون لهم يد من الإسهام وتوفير حياة آمنة وآدمية لسكان القطاع، غير أنه ينبغي القول أن من يعول على أي موقف دون مصر رهانه خاسر بلا أدنى شك، وهنا يستحضرني حجم الاحتفالات التي ترفع أعلام مصر وتغنى بالنشيد الوطني في غزة، وكأني بالمواطن ا’لغزاوي” وقد فطن إلى اللعبة ووعى بواطن الأمور أكثر من المحسوبين على النخب العربية وبعض أنصاف المثقفين المصريين، الذين لم تسعفهم خبراتهم المزعومة وأدبياتهم المصطنعة في تدبر وفهم هندسة الصقور المصرية للمواقف التي تتطلب الوعي السياسي وقراءة بواطن المشهد وما بين سطور الأحداث، ودائما ما تقول وتفعل.

نأمل أن تعي كافة الأطراف قيمة ما وصلنا له الآن من سلام، وأن يتحلى كافة الأطراف بالمسؤولية وأن ينعم أهل غزة بسلام وأمن في الجوار المصري كما هو الحال في توفيره برعاية مصرية.
حفظ الله مصر وشعبها وجعلها أبد الدهر حصن العرب وبيتهم الكبير وملاذهم الذي لا يرد من لجأ إليه طلبا لثقلها وقوتها ومعدنها الأصيل وتمسكها بهويتها العربية.

عماد نصير يكتب: مصر تنتصر لغزة

زر الذهاب إلى الأعلى