يوسف عبداللطيف يكتب: قراءة وطنية في جدل حل القوائم الانتخابية والوعي العام

حل القوائم الانتخابية لم يكن مجرد عبارة قانونية عابرة ظهرت على الشاشات بل كان شرارة قديمة أعادت فتح نقاش مؤجل بين الشارع والعملية السياسية في لحظة مشحونة بالقلق والترقب ما جرى خلال الساعات الماضية كشف حجم الفجوة بين ما يتداول وما يتحقق وبين الرغبة الشعبية في التغيير وبين صرامة المسار الدستوري الذي لا يتحرك بالعاطفة وحدها بل بالأوراق والإجراءات
منذ سنوات بعيدة والمجتمع يعيش حالة شد وجذب مع فكرة التمثيل النيابي ومع كل دورة انتخابية تتجدد الأسئلة نفسها هل يعبر المجلس عن الناس أم عن ترتيبات سابقة وهل الصوت الفردي له وزن حقيقي أم يذوب داخل صيغ جماعية مغلقة لذلك لم يكن غريبا ان ينتشر خبر منسوب للقضاء عن حل القوائم الانتخابية ويقابل بفرح عند قطاع معتبر من المواطنين الذين يرون في أي هزة للمشهد فرصة لإعادة البناء
لكن القراءة الهادئة لما حدث تقول ان المسألة لم تتجاوز كونها شائعة قانونية ضخمتها منصات التواصل الاجتماعي دون سند حقيقي فالمسار القضائي له أبوابه المعروفة ومواعيده الصارمة ولا يتحرك ببوست او رغبة عامة مهما كانت وجيهة الجدل كشف مشكلة أعمق تتعلق بغياب الوعي القانوني وخلط الاختصاصات بين جهات قضائية مختلفة وهو خلط متكرر يدفع ثمنه الرأي العام كل مرة
اللافت في القصة ليس نفي الإحالة فقط بل حجم التفاعل الشعبي معها وهو تفاعل يعكس شعورا متراكما بأن المجلس القائم لا يمثل طموحات قطاعات واسعة وأن فكرة حل القوائم الانتخابية تحولت إلى رمز احتجاج أكثر منها مطلبا إجرائيا هنا نحن امام أزمة تمثيل قبل ان نكون امام نزاع قانوني وهذا جوهر المسألة الذي يجب التوقف عنده.
الدولة في المقابل لم تقف صامتة فمؤسساتها أظهرت قدرا من اليقظة والانضباط حيث جرى التأكيد على مراجعة كل ما يثار من طعون والتعامل معها وفق القانون دون تهاون هذه الصرامة لا تعني تجاهل الغضب الشعبي بل تعني حماية الاستقرار ومنع انزلاق المشهد إلى فوضى تفسيرية كل يرى فيها القانون على هواه
وفي قلب هذا المشهد يبرز دور مؤسسات إنفاذ القانون التي حافظت على سير العملية الانتخابية وسط ضغوط هائلة وكذلك المؤسسة القضائية التي ظلت تمسك بالخيط الدقيق بين حق التقاضي ومنع العبث السياسي هذه المؤسسات تستحق التقدير لأنها تعمل في صمت بينما تتلقى السهام من كل اتجاه وتحافظ رغم ذلك على هيبة الدولة.
الربط بين الماضي والحاضر هنا ضروري ففي كل مرة انتشرت فيها شائعة مشابهة كان الهدف واحدا زعزعة الثقة في المسار العام واليوم يتكرر السيناريو نفسه لكن الوعي الشعبي بات أكثر قدرة على الفرز وهذا ما يجعلني أرى أن الأزمة الحالية رغم ضجيجها تحمل فرصة لإعادة طرح أسئلة جادة حول نظام التمثيل وسبل تطويره دون القفز على الدستور
حل القوائم الانتخابية سيظل حلما عند البعض وكابوسا عند آخرين لكنه في النهاية مسألة قانونية بحتة لا تحسم إلا عبر القنوات الشرعية أما تحويلها إلى كرة لهب إعلامية فلن ينتج سوى مزيد من الالتباس المطلوب اليوم ليس الهتاف بل الفهم وليس الفرحة بالشائعة بل الضغط الواعي من أجل إصلاح حقيقي.
حل القوائم الانتخابية لا يجب أن يكون شعارا بل نتيجة مسار طويل من النقاش المجتمعي والتشريع الرشيد والرقابة الجادة وحتى يتحقق ذلك يبقى احترام القضاء ودعم مؤسسات الدولة واجبا وطنيا لا يتعارض مع النقد بل يكمله فالدولة القوية لا تخشى الأسئلة لكنها ترفض الفوضى
حل القوائم الانتخابية في النهاية يعكس أزمة ثقة أكثر مما يعكس أزمة نصوص وإذا أردنا مستقبلا نيابيا يليق بالناس فعلينا أن نبدأ بإعادة بناء هذه الثقة بين المواطن وصندوق الانتخاب بين الشارع والقانون بين الحلم والواقع
ومن موقعي كمواطن اقول ان قوة الدولة اليوم لا تقاس بعدد النواب ولا بصخب المنصات بل بقدرتها على مواجهة الشائعة بالقانون وعلى الرد على التشكيك بالاجراء وعلى اثبات ان مؤسساتها تعمل في صمت وانفاس طويلة دون ان تنجر الى معارك جانبية وهذا ما يحسب للقيادة السياسية التي اختارت منذ البداية ان تترك القضاء يقوم بدوره كاملا دون ضغط او توجيه وهو ما يحسب ايضا لمؤسسات الامن التي وفرت المناخ دون ان تتدخل في الاختصاص.
انا لا ارى في هذا الجدل تهديدا بل فرصة لاعادة التذكير بان مصر التي عبرت عواصف اشد قسوة قادرة اليوم على حماية مسارها بهدوء وثقة وان احترام القانون لم يعد شعارا بل ممارسة يومية تحميها مؤسسات تعرف حجمها ودورها.
يوسف عبداللطيف يكتب: قراءة وطنية في جدل حل القوائم الانتخابية والوعي العام








