أهم الأخبارتحقيقات و ملفات

الدكتور محمد العلالي: الأمة العربية والإسلامية تواجه مشكلة الفجوة الرقمية

التربية الإعلامية تضبط الانفلات على منصات التواصل الاجتماعي


حوار: محمد حربي
دعا الدكتور محمد عبدالوهاب العلالي أستاذ بالمعهد العالي للاعلام والاتصال بالرباط وخبير الإعلام والاتصال المغربي، إلى ضرورة تمزيق قميص جلد الذات، والخروج من جلباب المغلوب على أمره، والانتقال من حالة المفعول به، إلى الفاعل والمتفاعل مع الاعلام الرقمي، ومنصات التواصل الاجتماعي، وأن تأخذ الأمة مكانها، كمساهمة في المحتوى الرقمي العالمي. لافتا إلى أهمية التركيز على التربية الاعلامية. جاء ذلك في حوار خاص لـ ” العمال ” على هامش مؤتمر مؤتمر” الثقافة الإعلامية والمعلوماتية والتفاهم العالمي، تحت شعار” السلام للجميع”، الذي يُنظِّمه “تحالف اليونسكو للثقافة الإعلامية”، بالتعاون مع الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ، وجامعة أوتونوما برشلونة بإسبانيا، والمعهد الدولي للثقافة الإعلامية والمعلوماتية؛ وبرعاية أحمد أبو الغيط – الأمين العام للجامعة العربية، ورئاسة الدكتور إسماعيل عبدالغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري. وبحضور فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، نائباً عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا تواضروس الثاني-بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والسفير ألبارو ايرانثو- سفير اسبانيا في القاهرة. وبمشاركة عدد من الخبراء وأساتذة الجامعات والإعلاميين، ومنظمات المجتمع المدني من: مصر، والدول العربية والولايات المتحدة وكندا والبرازيل وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفنلندا والهند والصين وروسيا الاتحادية ونيجيريا، علاوة على ممثّلي مكاتب اليونسكو بالمنطقة العربية والمدير العام المساعد لمنظمة اليونسكو لقطاع الاتصال والمعلومات من المقر الرئيسي لمنظمة اليونسكو بباريس.

بداية نود منكم إلقاء الضوء على التجربة المغربية، مع الإعلام الرقمي، ومنصات التواصل الاجتماعي، فما هي أبرز ملامحها؟.. بالتأكيد المغاربة هم جزء من العالم المعاصر، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المغرب، من حيث الموقع الجيواستراتيجي، الذي يجعله مرتبطاً بالأميركيتين، وأوروبا، والبحر الأبيض المتوسط، وأفريقيا، والعالم العربي.. وبالتالي ففي ظل التحولات الكثيرة، والقوية جدا، فإنه يمكن القول، بأنه منذ تسعينيات القرن الماضي، حدثت تحولات في وسائل التواصل الاجتماعي على نحو كبير، وقد انعكس تأثيره القوى، على وسائل التواصل القديمة، من صحافة وقراءة، وراديو؛ وحتى التليفزيون، وإن كان مازال يقاوم، بفضل ما لديه من بعض المقومات. وبالمجمل فإنه لم تعد لوسائل الإعلام التقليدية ما كان لها من دور، وخاصة فيما يتعلق العلاقة مع السلطة، وما كان لها من دور قديما، حيث كانت السلطة الحاكمة، هي المسيطرة، والمتحكمة، والموجهة للمحتوى، وتحديد الجمهور المستهدف، وتوقيت وزمان توجيه الرسالة؛ ولكن اليوم تغير كل شئ، وأصبح المواطن العادي هو مستقبل ومستهلك ومنتج للمعلومة والرسالة الإعلامية، ومؤثر ومتفاعل فيها؛ حتى أنه قد يضيف لها بعض الأخبار المزيفة والمغلوطة والكاذبة .
ورداً على سؤال حول كيفية القيام بعملية ضبط وفلترة لما يقوم به المواطن الإعلامي.. قال الدكتور العلالي: إنه توجد هناك عدة مقاربات، ومنها: مقاربة التربية الإعلامية، عبر الأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني، الذين يقومون بدورهم على مستوى التوعية، ولكن يبقى محدود جداً. وكذلك فهناك المقاربة القانونية، حيث أن الدولة تقوم بسن التشريعات ، وتتحول لقوانين تحكم الصحافة الالكترونية، على غرار ما كان متبعا في القوانين التي زلت تحكم الصحافة التقليدية.
ورداً على سؤال فيما يتعلق بالمشكلة الحقيقية من وجهة نظره.. قال الدكتور العلالي: إن المشكلة الحقيقية، تكمن في عموم الجمهور، وهذا لا يمكن إيجاد حل له، إلا بالتربية الإعلامية، ويرجع ذلك لافتقادهم لأخلاقيات العمل الصحفي، والقواعد التي تحكم المهنة، من حيث قوانين الصحافة، واحترام الخصوصيات، وحق الصورة، عدم معاداة الديانات. فهذه كلها تحتاج للتوجيه، لأن الوضع الحالي يجري فيه ممارسة بدون ضوابط. وعليه فلابد من برامج تربوية وتوعوية، من أجل الاحترام المتبادل والسلم، ويكون العمل ايجابي بدلا من الغوغائية، وتجنب الاخبار الكاذبة وتشويه الافراد والشخصيات، فيما ما يسمى بالفوضى.
وهنا يمكن أن نذكر ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، حيث انتقلنا إلى مجتمع المعرفة والمعلومات، وكان هناك أمل في تحالف المعرفة مع المعلومات، للوصول إلى نتيجة ايجابية، إلا ان ما كشفت عنه الأحداث، كان عكس ذلك، حيث الانتقال لمجتمع الجهل بالأسس القانونية، التشريعية، والأخلاقية، والقيمية عند التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وأخلاقها.
ورداً على سؤال حول ما هو المطلوب عربياً؟.. قال الدكتور العلالي: إنه لمواجهة الغزو الخارجي عبر الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، فالمطلوب: أولاً، التخلي عن فكرة الغزو، والانتقال إلى فكرة التفاعل الايجابي، والبحث عن مكان لنا في هذا العالم، كمساهمين إيجابيين ولسنا كعالة وعبء على الآخرين؛ لأن العالم أصبح مفتوحا الآن، ولا نستسلم لفكرة وقوعنا تحت تأثير الغزو، بل نعمل على تعريف أنفسنا كعرب، كمسلمين، وكأفارقة، ومغربيين، أو مصريين، أو توانسة، وما هو موقعنا من العالم؟، وما هي حضارتنا؟، وما هي ثقافتنا؟ ، وما هي قيمنا؟. فهذا ما ينبغي أن نفعله وبلغة العصر، ونجعل من وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق المواطنين، هم الوسيلة للتعريف بأنفسنا في هذا العالم؛ وذلك عندما نعطهم تنشئة تربوية، بالتكوين، والتثقيف، ونرفع من شخصيتهم، ليكونوا أقوياء، وذوي ثقة، في أنفسهم، ودولهم
ورداً على سؤال، حول مدى قدرة العالم العربي والإسلامي، على الصمود عبر التفاعل مع منصات الإعلام الالكتروني؟.. قال الدكتور العلالي: بإنه يتفاعل مع الواقع، الذي فرض عليه مع التكنولوجيا؛ لأن الصناعات التكنولوجية الحديثة في العالم، تفرض عليه أشياء، ولابد من التفاعل معها، حيث لم يعد أن تخرج نماذج كما كانت بالأمس، التي وصل فيها الأمر، إلى درجة أنه في مرحلة من المراحل، كان يخرج من يحرم الراديو والتليفزيون، بحجة أن تشبيه الصورة حرام، إلا أنه مع مرور الزمن أصبح التليفزيون واقعا مفروضا، وانتشر. ولكن مطلوب من الدول العربية والإسلامية الآن الوقوف ضد الفجوة الرقمية، والاستعداد لنشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتهيئة البلدان العربية لهذا التوجه، لأنه توجه هو الحاضر والمستقبل، وبالتالي التفاعل، مع تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات
بالعمل على تغيير نظمنا التربوية والاعلامية، وإدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
إلى المدارس الابتدائية، والثانوية والجامعات، أي قلب الهرم رأساً على عقب؛ لأنه لم يعد النظام التعليمي، فانحسر دوره، ويجب إعادة بناءه على اللامادي، والرمزي، ومحتويات تكنولوجيا المعلومات، بداية من المدرسة للجامعات، والتغلب على ما يواجهه من صعوبات.
ورداً على سؤال، حول ما هية هذه الصعوبات؟.. قال الدكتور العلالي: إنه توجد هناك صعوبات أبرزها التمويلية، ومدى القدرة على توفير الاعتمادات المالية الكافية لتجاوز هذا الوضع، حيث هناك كثيرا من الدول تعاني من عدم القدرة على توفير الاعتمادات المالية، لتحسين بيئة العملية التعليمية؛ وإن كان لا يمكن لأحد أن يغفل مستويات الانفاق على التعليم في بعض البلدان العربية مرتفعة بطبيعتها، ومع ذلك فهي غير قادرة على مواجهة التحديات الاعلامية المطروحة. ويجب تغيير نظام التعليم التربوي أمام هذا التحدي الكبير، لنشر وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي والمعلومات في العالم وما تثيره من قضايا كبيرة اليوم.
وردا على سؤال بشأن إلى أي مدى العالم العربي استطاع توظيف الإعلام الرقمي التوظيف الأمثل من أجل التعريف بقضية الأمة والحق الفلسطيني؟.. قال الدكتور العلالي: إن الشباب العربي في مجتمعاتنا العربية مازال بخير، وعلى خلاف ما يعتقد البعض من هواة جلد الذات. حيث يستخدم الشباب العربي وسائل التواصل الاجتماعي في أشياء ايجابية أكثر منها سلبية، وضرب مثلا على ذلك، بالتغيير الذي حدث بعد الحراك الاجتماعي العربي، وما أكثر أولئك الذين كانوا يظنونا أن الشباب العربي، غير مشغول سوى باللهو وسفاف الأمور، وأشياء غير جدية، في حين كشفت تجربة الحراك الاجتماعي العربي تحرك الشباب العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقاد إلى تغيير أنظمة سياسية في مناطق عربية، لم يخطر ببال أكثر المتنبئين بالسياسة على توقعها.
وأضاف بأنه من تابع ما حدث في فلسطين منذ السابع من أكتوبر عام 2023، انفردت إسرائيل بتشكيل الرأي العام العالمي، وتصوير الفلسطينيين على أنهم هم المعتدون، والإسرائيليون هم الضحايا؛ إلا أن تحرك الجاليات العربية في عواصم العالم وبلاد المهجر صحح المفاهيم المغلوطة، وكان له نتائجه الايجابية في إعادة التضامن ، والنظر بعين الإنصاف للأحداث، ونلاحظ حتى القيادة الأميركية تحت التأثير للانتخابات، وبالتالي فلا يمكن القول ان الشباب لايحسن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في أشياء جدية.
كما استشهد بتجربة واقعية في المغرب، حيث حدث في بعض القضايا الاجتماعية الداخلية، كان يستخدم الشباب منصات الاعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، في حملات المقاطعات لبعض الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني وارتفاع اسعار المحروقات ، حملات عدم اقتناء بعض منتجات الشركات. وأنه بسبب وسائل التواصل الاجتماعي حدث تأثيراً كبيرا. وعليه فلا يمكن الاستهانة بقوة وسائل التواصل الاجتماعي على المدى القريب أو البعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى