آراء

م. خالد محمود خالد يكتب: الشرطة المدرسية بين التربية والانضباط

من بين الأفكار المثيرة التي تعود بين الحين والآخر داخل المدارس، فكرة “الشرطة المدرسية”، حيث يتم اختيار مجموعة من الطلاب للقيام بدور تنظيمي أشبه بالشرطة، هدفه المساعدة في حفظ النظام والانضباط داخل الحرم المدرسي. ورغم ما تثيره الفكرة من سخرية أحيانًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها في جوهرها تحمل أبعادًا تربوية تستحق المناقشة.

فالمدرسة ليست مكانًا للتعليم فقط، بل هي نموذج مصغر للمجتمع. فيها الإدارة، والمعلمون، والطلاب، ولكل منهم أدوار ومسؤوليات. عندما يُعطى بعض الطلاب دور “الشرطة المدرسية”، فإنهم يتعلمون عمليًا معنى المسؤولية، وكيفية احترام القواعد، وإدارة الخلافات، والتعامل مع الزملاء بروح من القيادة والانضباط.

الخطر هنا أن يتحول الطالب الذي يحمل شارة “الشرطة المدرسية” إلى نسخة مصغرة من “المتسلط”، فيستخدم سلطته بشكل قمعي أو استعراضي. لكن إذا أُحسن تدريب هؤلاء الطلاب على أن دورهم يبدأ بالابتسامة، بالوعظ، وبالقدوة الحسنة، فإن التجربة تصبح أداة تربوية ناجحة. الطالب المنضبط لا يفرض النظام بالعقوبة فقط، بل يقدمه نموذجًا لبقية زملائه.

وحتى مع وجود شرطة مدرسية من الطلاب، قد تحدث حالات شغب أو انفلات أكبر من قدرتهم على السيطرة. هنا يمكن للإدارة والمعلمين أن يكونوا “الصف الخلفي” المتفق عليه، الذي يتدخل فقط عند الضرورة. هذا التدرج بين دور الطلاب كخط أول، والإدارة كضامن في الخلفية، يحافظ على الطابع التربوي للتجربة، ويمنع تحولها إلى مجرد سلطة شكلية.

وهناك تجارب مشابهة

ففي بعض المدارس اليابانية، يقوم الطلاب أنفسهم بتنظيم الصفوف، وتنظيف الفصول، وحتى المساعدة في مراقبة النظام، بهدف غرس روح الجماعة والانتماء.

في مدارس بألمانيا، يتم تكليف “طلاب منضبطين” كـ”مساعدين” للمعلمين في أوقات الاستراحة، لتقليل المشاحنات بين الزملاء.

هذه النماذج كلها تركز على أن الطالب يتعلم المسؤولية بالممارسة، لا بالمحاضرات النظرية فقط.

الأثر التربوي والنفسي

إشراك الطلاب في الشرطة المدرسية يعزز لديهم الإحساس بالانتماء، ويكسر الفجوة بين “المراقِب والمراقَب”. الطالب الذي يشارك في وضع القواعد ومتابعتها، يصبح أكثر التزامًا بها. كما أن التجربة تمنح الطلاب قيماً مهمة: الثقة بالنفس، مهارات التواصل، إدارة المواقف، والعمل الجماعي.

إن الشرطة المدرسية كتنظيم داخلي ليست وسيلة للسخرية بقدر ما هي تجربة يمكن أن تكون ناجحة إذا صُممت بشكل تربوي صحيح. الشرط الأساسي أن يُدرَّب الطلاب على أن دورهم يبدأ بالابتسامة والاحتواء والوعظ، وأن وجود الإدارة كصف خلفي يضمن التعامل مع الحالات الاستثنائية. عندها تتحول الفكرة من “لعبة سلطة” إلى أداة تعليمية حقيقية تزرع الانضباط الذاتي، وتبني جيلًا أكثر وعيًا بالمسؤولية والقانون.

م. خالد محمود خالد يكتب: الشرطة المدرسية بين التربية والانضباط

زر الذهاب إلى الأعلى