آراء

مصطفى زايد يكتب: أبا الحسن الشاذلى صاحب الفكر الإصلاحى فى الصوفية

اعتدنا فى هذا التوقيت من كل عام ومع حلول الاحتفال بذكرى قطب من أقطاب الصوفيه وهو سيدي أبا الحسن الشاذلى رضي الله عنه دفين وادي حميثرة بصحراء مدينة مرسي علم محافظة البحر الأحمر والذي اعتاد الصوفية والعامة الاحتفال بمولده فى اليوم التاسع من ذو الحجة ( وقفة الحجيج على جبل عرفات ) وبما أن المنطقة التى تحيط بضريح ومسجد سيدي أبا الحسن الشاذلى يقع فى وادى تحيطه الجبال من كل مكان وان الزوار اعتادوا الصعود إلى هذه الجبال أما للتنزه أو المكان الذي صعد إليه سيدي أبا الحسن لمناجاة ربه وهو ما يسمى ( بالخلوه ) وهذا ما جعل من اعداء الصوفية أن يصتنعوا الأكاذيب ويفتروا على الصوفية مدعين أن الصوفية تتخذ من مولد أبا الحسن الشاذلى حج لهم ومن الجبال المحيطة بديل لجبل عرفات وللاسف ساعدهم فى ذلك بعض الجهلاء مدعين التصوف والمحسوبين عليه زور وبهتان .
ففى كل عام وفي هذا التوقيت تشن على الصوفية حملات ممنهجه مستغله من مظاهر الاحتفال بمولد سيدي أبا الحسن سبيل لتشويه الصوفية .
واليوم وبمناسبة الاحتفال بذكرى مولد سيدي أبا الحسن الشاذلى وجب علينا أن نتذكر ذلك القطب الكبير صاحب الفكر الاصلاحى والذي يعد أول من غير فى المظهر العام للصوفى من شخص اعتاد على اللباس الخشن والتقشف وغير النظره الدونيه التى كان ينظرها العامه لصوفية
فمن هو سيدي أبا الحسن الشاذلى
أبا الحسن الشاذلي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بقبيلة الأخماس الغمارية بفرقة بني زرويل بقرية اشتنواغل، ولا يزال البيت الذي ولد فيه معروفا إلى اليوم، وببلدته نشأ وحفظ القرآن وطلب العلم ورحل إلى حاضرة فاس، وأخذ بها علوم العربية والفقه والأصول والحديث، وبرع في علم المناظرة.. ثم تاقت نفسه للتعمق في علوم الأذواق، فساح وجال ولزم الخلوة، وأخذ طريقة القوم أولا عن الولي الصالح سيدي محمد بن الشيخ سيدي علي بن حرزهم، ثم رحل إلى المشرق ودخل بغداد والتقى بالعالم أبي الفتح الواسطي، فقال له تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك.. فرجع أبو الحسن الشاذلي إلى المغرب والتقى بالقطب سيدى عبد السلام بن مشيش سافر أبو الحسن الشاذلي إلى المشرق من جديد لينشر منهج أستاذه، فمر بطريقه على تونس، وأقام بها مدة بشاذلة، ومن تم اكتسب لقبه الشاذلي، ثم وقعت له محنة من طرف السلطان، فرحل إلى مصر وسكن الإسكندرية، وحج مرارا وجاور بالأرض الحرام..
من تلاميذ الإمام أبي الحسن الشاذلي الكبار نذكر أبا العباس المرسي خليفته النجيب، والشيخ مكين الدين الأسمر، والعالم الكبير العز بن عبد السلام.. وقد عاصر أبو الحسن الشاذلي أبا بكر بن العربي الحاتمي، وأبا الحسن الشُّشتري، وابن سبعين، وقطب الدين القسطلاني، والحافظ عبد العظيم المنذري، والإمام القرطبي المفسر..
تغييره فى الشخصية العامة للصوفى
ذكر ابن عطاء الله في «لطائف المنن» أن فقيرا دخل على الشيخ أبي الحسن في ملابس خشنة من شعر، فلما فرغ الشيخ من كلامه دنا منه الفقير وأمسك ملبسه، وقال: يا سيدي: ما عبد الله بهذا اللباس الذي عليك، فأمسك الشيخ ملبسه فوجد خشونته فقال: ولا عبد بهذا اللباس، الذي عليك، لباسي يقول : أنا غني عنكم، فلا تعطوني، ولباسك يقول : أنا فقير إليكم فأعطوني!!
‏ وعقب ابن عطاء الله على هذا الكلام فقال : وأما لبس اللين، وأكل الطعام الشهي، وشرب الماء البارد، فليس القصد إليه بالذي يوجب العتب من الله، إذا كان معه الشكر لله».
‏   لقد اتخذ أبو الحسن الشاذلي من الإسكندرية مقرا وسكنا بعد رحلات طويلة ومضنية، وفيها تزوج وأنجب الذرية، واقتنى الضياع، وأصبح له الولد والأهل والأحباب.
وكان الشاذلي رحمه الله متأنقا في مأكله وملبسه، ويأخذ زينته عند كل مسجد، ويتحلى دائما بالثياب الحسنة في اعتدال ووقار دون مبالغة، وكان يقول : «اعرف الله وكن كيف شئت، ومن عرف الله فلا عليه أن يأكل هنيئا مريئا».
وكان يأمر غلامه ويقول : «يا بني، برد الماء فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت الحمد لله تقولها بكزازة، وإذا شربن الماء البارد فقلت الحمد لله استجاب كل عضو منك بالحمد لله ».
وكان يركب الخيل الجياد، ويقول: لا شرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها، أو تنحل أعضاؤك لها، فترجع لمعانقتها بعد الزهد فيها.
وكان يقول عن طريقته : ليس هذا الطريق بالرهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة، وإنما هو بالصبر على الأوامر، واليقين في الهداية.
‏يقول الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه: « القطب الشهيد أبو الحسن الشاذلي»:
‏« لقد كان لأبي الحسن أثر هائل في هداية الناس على مر الزمن، لقد كان له أثر ينتقل أريجه الزكي من شخص إلى شخص، ومن عصر إلى عصر، حتى وقتنا الحاضر، لقد بدأ هذا الأثر بالثمرة اليانعة في العارف بالله القطب الكبير أبي العباس المرسي، وفيمن حول الشيخ من أصدقاء ومريدين، وأسلم أبو العباس المرسي المشعل، مشعل الهداية إلى شيخ العلماء، وشيخ الصوفية في عصره، ابن عطاء الله الإسكندري، صاحب « الحكم»
‏جاء في «مناقب الشاذلي» أنه كان يكره من المريد أن يكون متعطلا أو أن يسأل الناس.
‏وكان يقول: لكل ولي حجاب، وأنا حجابي الأسباب، وكان يشارك في الزرع، والحرث، والحصاد، ويربي الثيران، فهو لم يدعو إلى العمل بقوله فقط، بل كان يمارسه بالفعل.
‏وكان يقول: «إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل أحدا شيئا.
‏وإن أتاك شيء من غير مسألة فلا تقبله، وإن كنت مقتديا بالرسول (ص) في الأخذ فكن مقتديا به كيف كان يأخذ؟ كان (ص) لا يأخذ شيئا إلا ليثيب عليه، فإن تطهرت نفسك، وتقدست هكذا فاقبل، وإلا فلا…»

وذكر مترجموه : أنه شارك في معركة المنصورة وجاهد مع المجاهدين تلك المعركة التي كانت بين المسلمين بزعامة «الظاهر بيبرس»، والفرنجة بزعامة «لويس التاسع» ملك فرنسا، شارك في هذه المعركة رغم كبر سنه، وكان قد كف بصره في آخر حياته، ومع ذلك كان في مقدمة المجاهدين، وكان يقول : «من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت».
ومن أقواله رضي الله عنه
«من لم يتغلغل في هذه العلوم مات مصرا على الكبائر وهو لا يعلم»، وهو يقصد العلوم الشرعية.
‏ وقال : «خرج الزهاد والعباد من هذه الدار وقلوبهم مقفلة عن الله».
‏ وقال : «ليس الشأن من تطوى له الأرض فإذا هو بمكة أو غيرها من البلدان، وإنما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه فإذا هو عند ربه».
‏ وقال: «كل شيء نهاك الله عنه فهو شجرة آدم لما أكل منها نزل إلى الأرض، وأنت إذا أكلت من شجرة النهي تنزل إلى أرض القطيعة».
‏ وقال: إن الله لما خلق الأرض اضطربت فأرساها بالجبال، قال الله عز وجل: (والجبال أرساها) 12 كذلك لما خلق الله النفس اضطربت فأرساها بجبال العقل».
‏ وقال : «نحن إذا أتانا من عنده شيء من الدنيا لا نقول له : اخرج من دنياك وتعال، ولكن ندعه حتى تترشح فيه أنوار المنة، فيكون هو الخارج عن الدنيا بنفسه».
‏ ومثل ذلك قوم ركبوا سفينة فقال لهم رئيسها : غدا تهب ريح شديدة لا ينجيكم منها إلا أن ترموا بعض أمتعتكم، فارموا بها الآن، فلا يسمع أحد قوله، فإذا هبت العواصف كان الكيس يرمي متاعه بنفسه، وكذلك إذا هبت عواصف اليقين، يكون المريد هو الخارج عن الدنيا بنفسه».
‏ وقال : «يقول الله عز وجل : «يا ابن آدم خلقت الأشياء كلها من أجلك، وخلقتك لأجلي، فلا تشتغل بما هو لك، عمن أنت له».
‏ وكان يقول : «نوديت لا تختر مع الله شيئا، وإن اخترت فاختر العبودية لله، اقتداء برسوله، حيث اختار أن يكون عبدا رسولا، وإن كان لابد وأن تختار فاختر ألا تختار، وفر من ذلك المختار إلى اختيار الله تعالى لك».
‏ وكان يقول : «كلما ملت إلى شهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهدى أو كدت، وألزم محبة الله على التوقير والنزاهة».
‏فرضي الله عن صاحب الذكرى سيدى أبا الحسن الشاذلى ونفعنا بعمله اللهم امين

زر الذهاب إلى الأعلى