آراء

شعبان محمد شحاتة يكتب : النفقة علي اليتيم حق له في رقاب ورثته

كان أبو المهاجر الثقفي من سراة ثقيف ونبلائها وكان كثير الرفاه واسع العطاء ينحر لضيوفه الكرماء من الابل والسمينة من الشياه وإذا رأي في الليل ضيفاً مقبلا أومئ إلى الكوماء هذا طارق وكان يطعم العشيرة ويحسن للأهل ويواسي المحتاج ويقضي الدين عن المدينين ولم ينجب أولادا رغم كبر سنه وتطلعه إلي ولد يرث اسمه ويحفظ ما بناه من مجد وسؤدد ويمني له جميع الأجوار أن يستجيب الله دعاءه ويرزقه ولدا من صلبه

وبعد يأسه وطول انتظاره رزقه الله ولدا ذكياً ونجلا مباركا رضيا فتسلى به عما بدده من ثروته في طريق الصدقة وأوجه المعروف ولم يأسف علي عدم استبقائه علي شيء من إبلة الكثيرة وحوائطه الغنا لفائدة هذا الصغير الذي وهب له بعد أن بلغ من الكبر عتيا

وكيف يأسف وهو من المتوكلين على الله الواثقين من عدل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب مات أبو المهاجر الثقفي ولم يبلغ ولده العاشرة من عمره وأصبح يتيم الابوين لأن أمه ماتت قبل ذلك بعامين وتخلي عنه الأصدقاء وكانهم لم ينعموا بخيرات أبيه ولم يحمل كلهم ولم يغن عائلهم ولم يعنهم علي صروف الدهر وطوارق الاحداث ولم يكفكف دموع أيتامهم ويحمل لبيوتهم التمر والحطب واللحوم

اضطر الولد اليتيم إلي بيع الأثاث والمتاع والجلد والصاع وخيمة العماد والعير والأوتاد ولم يكن له بيت وارث يطرقه مستطعما ولا ساحة محسن يتطرقها مستجيرا وورث عن أبيه شممه وكبر نفسه وابايته فانكمش على نفسه ولم يسأل من أحد معروفا ولم يطلب من بني عمه الأغنياء عطاء وتحجرت عواطفهم تلقاءه وبخلوا بما في أيديهم عنه وفزع الطفل المسكين إلي دموعه وزفراته إلي مجلس الفاروق

نهض أبو عبلة الثقفي وهو رجل فقير كان راعي ابلا لابي المهاجر وأقام في جواره إلي أن توفاه الله وخرج من بيته ليبادر كعادته بتحية الصبي عنبسة برورا بوالده واعترافا بإحسانه له فوجد الضبي ملازما لظل النخلة التي بقيت ثابتة عن الوفاء له متسربلا سريال محل أغبر نحرتني الأعداء إن لم تنحري والحنو عليه حنو المرضعات على الوليد

وقد أقعده الهزال عن السعي وأعجزه الجوع عن الحركة فاقترب منه وحياه وجلس إليه يسأله عن حالة ثم أشار عليه بأن يرافقه إلى مجلس الفاروق ليرفع إليه أمره ويبثه شكواه عله يجد له مخلصا من ضائقته وسبيلا للعيش وقدم الشيخ أبو عبلة إلي مجلس القضاء وقال للفاروق هذا يا أمير المؤمنين يتيم أبي المهاجر الثقفي وأبوه من عرفت نبلا وكرم وفادة وقد توفاه الله ولم يترك لصيبه بيضة ولا صفراء وتخلي عنه الناس وأنكره عصبته من أبناء العم وقد جاء إليك لتجد له من أمره فرجا ومخرجا وأذن الفاروق بإدخال الغلام فدخل يجر نفسه جرا وقد اثقل الحياء خطاه وألجم الجزن فاه فتلطف الخليفة العادل به وجعل يسأله عن أسماء عصبته ومضارب قومه وأجلسه إلي جانبه ومر بيده الشريفة على رأسه يواسيه ويشجعه ولما تأكد من أنه لا يملك بلغة ولا يجد في جرابة مضغة طلب من أبي عبلة ان يتركه ضيفا علي بيت آل عمر مع عبد الله وعبدالرحمن حتي ينظر في أمره ونزل الغلام ضيفا علي الفاروق وبالغ ولداه في إكرامه والإحتفال حتى يحيل للغريب أنه ثالث أولاد الخليفة

المقاضاه الشرعية.. وبدأ الفاروق يستقدم عصبة الغلام من أبناء عمه ولما حضروا عرض عليهم ما يشكوه الغلام عنبسية فاقروا بأنه فقير لا يملك نفقة يومه واعترفوا بأنهم عصبته وأنهم في سعة ورخاء وندد الفاروق بموقفهم من قريبهم وامتناعهم من إنفاقه وشهر بما هم عليه من شح وما في قلوبهم من قسوة وغلظة وعرض عليهم أن يتعهدوا بالإنفاق عليه والتحمل بكفافة من العيش إلى أن يبلغ مبلع الرجال فأبوا وأمر الخليفة بإيداعهم في السجن وأن لا يبرحوه إلا إذا تحملوا بنفقته قائلا :-” إن النفقة بإيداعهم في السجن وأن لا يبرحوه إلي إذا تحملوا بالنفقة قائلا : إن النفقة تستحق بشيئين بالميراث بكتاب الله وبالرحم لسنة رسول الله صلي الله عليه ويلم قال الله تعالي : وءات ذا القربي حقه ) وبالوالدين إحسانا وبذي القربي ” وقال صلي الله عليه وسلم ” امك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك حق واجب ورحم موصول ”

وطال اعتقال الثقفين عصبة الغلاء عنبسة فبعثوا إلي عمر يطلبون ترك سبيلهم وهم متحملون بالنفقة فاطلقهم من السجن وأخذ عليهم وقال لهم كنتم معرضين لو مات الغلام وترك حطاما يورث عنه أنكم والله تشدون الرحال للمطالبة بالتعصب والاستحواذ علي المخلف فكيف ترثون المغانم وترفضون التحمل بالمغارم ذلك هو الغرور وشح النفس وقسوة القلب فاذهبوا غير مشكورين وغير ناجين .

عدالة الاسلام.. ذكر ابن ابي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن حجاج عن سعيد بن المسيب قال : جاء ولي يتيم إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال ” اتفق عليه ” ثم قال ” لو لم أجد أقصي عشيرته لفرضت عليهم وحكم بمثل ذلك زيد بن ثابت قال ابن ابي شيبة حدثنا حميد ابن عبد الرحمن عن حسن عن طرف عن إسماعيل عن الحسن عن زيد بن ثابت قال : إذا كان ام وعم فعلي الام بقدر ميراثها وعلي العم بقدر ميراثه قال ابن جريج : ” وعلي الوارث مثل ذلك أي علي ورثة اليتيم ينفقوا عليه كما يرثونه وقال الحسن : ” وعلي الوارث مثل ذلك – علي الرجل الذي يرث أن ينفق عليه حتى يستغني

ولقد كان أبو المهاجر علي حق حين أنفق ثروته في سبيل الله واعتمد علي عدالة الاسلام ويقظة الخليفة عمر فإن الأمر انتهي إلي من قصده وكفي الله ابنه شر الجوع والاحتياج وما ذلك إلا لأن حكام الصدر الأول يرون النفقة علي اليتيم حق له في رقاب ورثته وحتي في أقارب العشيرة والعائلة لأصدقة يتطوع بها

زر الذهاب إلى الأعلى