آراء

ا.د عاطف محمد كامل يكتب:أهمية التعليم وحماية البيئة كأساس للتنمية المستدامة

لقد أدت الأنشطة البشرية إلى إجهاد الكوكب واشكال الحياة التي تعتمد عليه اجهاداً كبيراً بفعل الضغط الهائل الذي تعرضوا له جراء هذه الأنشطة. وبما أن البشرية تساهم مساهمة واضحة في التدهور البيئي والنظم الإيكولوجية والانحسار السريع للتنوع البيولوجي وتغير المناخ، فإن من اللازم عليها أيضاً أن تقدم الحلول لتدارك المخاطر والتصدي للتحديات التي كان لها يد في نشأتها لضمان حماية البيئة ومواردها.
وبمقدور التعليم أن يقوم بدور رئيسى في التحول المطلوب إلى مجتمعات أكثر استدامة من الناحية البيئية، بالتنسيق مع المبادرات الحكومية مثل مبادرة مصر 2030 (استراتيجية التنمية المستدامة، رؤية مصر ۲۰۳۰) ومبادرات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فالتعليم يصوغ القيم ووجهات النظر، ويساهم أيضاً في تنمية وتطوير المهارات والمفاهيم والأدوات التي يمكن أن تستخدم في خفض أو إيقاف الممارسات غير المستدامة.
ورؤية مصر ٢٠٣٠ هي أجندة وطنية طموحة أُطلقت في فبراير ٢٠١٦ تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة. وتستند رؤية مصر ٢٠٣٠ على مبادئ “التنمية المستدامة الشاملة” و”التنمية الإقليمية المتوازنة”، وتعكس رؤية مصر ٢٠٣٠ الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي.
ولا ينحصر دور التعليم المتعدد الأوجه في مجال الاستدامة في جانبه الإيجابي، إذ يمكن أن يعزز ممارسات غير مستدامة. ومن ذلك الاستهلاك المفرط للموارد، والإسراع في تآكل معارف السكان الأصليين وطرق عيشهم ذات الاستدامة النسبية. لذلك قد يتطلب الأمر تكييف التعليم وتحويله لضمان تأثيره الإيجابي.
السلوك البشري أدى إلى أزمة وتدهور البيئة نتيجة التوسع الديموغرافي والبشرى وأنماط الحياة الحديثة والسلوك الفردي من التفاهمات الأكثر شيوعاً بشأن كيف أدى ويؤدي السلوك البشري إلى التدهور البيئي. وقوام العامل الديموغرافي في الأزمة البيئية هو أن هناك ببساطة الكثير جداً من الناس على هذا الكوكب: فقد تضاعف عدد سكان العالم ثلاث مرات في الفترة بين عامي 1950 و2015، ومن المتوقع أن يزداد العدد بمقدار مليار آخر بحلول عام 2030. ويتجلى عامل أنماط الحياة الحديثة في المعدل العالي لاستهلاك الموارد من قبل الفرد الواحد في المناطق الحضرية والبلدان الغنية. إذ يُلاحظ في البلدان التي زادت فيها مستويات المعيشة بوتيرة سريعة أن الآثار الإيكولوجية تضاعفت فيها خلال العقدين المنصرمين. ففي عام 2012، كان معظم البلدان ذات الدخل المرتفع تعاني من آثار إيكولوجية غير مستدامة. أما تأثير السلوك الفردي في البيئة فينُظر إليه في آن واحد كمصدر للمشاكل البيئية وكحل لها، مثلاً عن طريق السياسات التي تشجع على إعادة تدوير النفايات، واستخدام الدراجة الهوائية والسيارات الصديقة للبيئة والموفرة للوقود.
ويلعب التعليم دور رئيس في التصدي للتحديات البيئية والتغلب عليها. فالتعليم، ولا سيما تعليم الفتيات والنساء، هو الوسيلة الأكثر فعالية لتقليص النمو السكاني، وتمكين النساء من إسماع كلمتهن عند اتخاذ القرارات بشأن الإنجاب وتوقيت فترة الحمل. وبإمكان التعليم أن يحسِّن سبل العيش من خلال زيادة المداخيل، وتنمية المهارات اللازمة لتحويل الاقتصادات والنظم الغذائية. وبمقدور التعليم أيضاً التأثير في السلوك البيئي الفردي والجماعي من خلال النهوج/المقاربات المعاصرة والتقليدية للتعلم مدى الحياة.
إن تطبيق النهج المعاصروذلك من خلال التعلم عن طريق التعليم المدرسي سوف تساعد المدارس الطلاب على فهم المشاكل البيئية عامة ومشكلة بيئية معينة وما يترتب عليها من عواقب وأنواع الإجراءات الازمة لمعالجتها ووقف التدهور. وتُشجع التربية البيئية أنماط الحياة المستدامة، والحد من النفايات، وتحسين استخدام الطاقة، وزيادة استخدام مواصلات النقل العامة، ودعم السياسات الصديقة للبيئة، ونشاط البيئة. والتي ت}دى في النهاية إلى وجود تحسن في الروح والأخلاقيات الجماعية للمدرسة وفي صحة الطلاب، وانخفاض الآثار الإيكولوجية الناجمة عن هذه المدارس.
أن الأهتمام بالسكان المحليين ضرورة – وخاصة في مجال الزراعة وانتاج الغذاء للحفاظ على دور مهم في الاستدامة البيئية المستقبلية . وهناك أمثلة عديدة على أن إدارة الأراضي من قبل السكان المحليين باتت تحظى باعتراف عالمي كنهوج وممارسات ممتازة لصون التنوع البيولوجي والحفاظ على عمليات النظام الإيكولوجي. ففي كولومبيا، يعمل مجلس المستوطنات المستدامة في الأمريكيتين على تطبيق مفهوم «العيش البهيج» الذي يعترف بإسهام جماعات السكان المحليين، كإسهامهم مثلاً في مشاريع المحلات الإيكولوجية الحضرية، والقرى التقليدية المستدامة، والمراكز التعليمية في مجال الاستدامة.
وقد ساهمت التواصل والتعايش مع السكان الأصليين في عمل وتسيير النظام الإيكولوجي، ونظم الإنذار المبكر من الكوارث، والتكيف مع تغير المناخ والقدرة على الصمود أمامه والتعافي من آثاره. ومن الأمثلة على تعلم المدارس من معارف السكان الأصليين المبادرة الزراعية الشاملة في ألاسكا التي يتفاعل الطلاب في إطارها مع الشيوخ والكبار من السكان الأصليين. ثم إن التعليم بالغات المحلية يساهم أيضاً في تشاطر المعرفة بين الأجيال.
تطبيق منهج التعلم مدى الحياة ضرورة: حيث أن التعلم من خلال العمل والحياة اليومية إلى جانب التعليم النظامي أو بخلافه، يمكن للوكالات الحكومية، والمجموعات المجتمعية غير الربحية، ومنظمات العمل، ومؤسسات القطاع الخاص، أن تساعد في تغيير السلوك الفردي والجماعي. ويمكن للحملات المدعومة من الحكومة أن ترفع مستوى الوعي بشأن مشكلة بيئية معينة، وتبين أسبابها وكيف يمكن للناس معالجتها. ومن ذلك أن إثيوبيا وبعض الشركاء أطلقوا في عام 2015 حملة لتوعية الجمهور تستمر لمدة سنتين ترمي إلى تشجيع منتجات الإضاءة الشمسية. كما يمكن للقادة في المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية أن يساعدوا في ترويج ونشر القيم والسلوكيات الصائبة من الناحية البيئية،
ويعتبر مكان العمل مركزاً أساسياً للتعلم. وقد شنَّت بعض الشركات حملات للحد من آثارها الإيكولوجية وتثقيف موظفيها والجمهور بشأن حماية البيئة. وقد أفاد استقصاء أجرته وحدة المعلومات التابعة لمجلة الإيكونوميست أن أكثر من 40% من المسؤولين التنفيذين في الشركات العالمية يعتقدون أن من المهم لشركاتهم مواءمة الاستدامة مع عملها. كما روجت منظمات العمل لممارسات أكثر استدامة في أماكن العمل.
وتقوم المنظمات الدولية غير الحكومية بدور بارز وهام في مجال التوعية البيئية من خلال حملات التوعية العامة والمشاريع والشراكات والتحالفات الصديقة للبيئة، بدور حيوي في تعبئة الجمهور لدعم البيئة وصونها. وتساهم المجموعات التي تنظم حملات إلكترونية، مثل مجموعة آفاز التي يبلغ عدد أعضائها 44 مليون عضو في 194 بلداً، في إذكاء الوعي بشأن البيئة والقيام بمبادرات نوعية مثل حملة العامين لحظر استخدام مبيدات الآفات الزراعية التي تقتل النحل.
ويتطلب التعامل مع تغير المناخ اتباع نهج متكامل للتعلم حيث يُعزز التعليم قدرة الناس على التصدي للمخاطر المتعلقة بالمناخ والصمود أمامها. من خلال التخفيف وتقليل الإنبعاثات كما يشجع دعمهم لإجراءات وأنشطة التخفيف من وطأة المخاطر والمشاركة فيها. هذا ويعتبر توسيع فرص الالتحاق بالتعليم أكثر فعالية في مواجهة آثار تغير المناخ من الاستثمار في بنى تحتية مثل جدران البحار ونظم الري. ثم إن تعليم الإناث يقلل من الوفيات الناجمة عن الكوارث. وتشير التوقعات إلى أنه في حالة توقف التعليم عن التقدم، فإن الوفيات الناجمة عن الكوارث في المستقبل ستزداد بنسبة 20% خلال العقد الواحد. وأكثر المجتمعات عرضة لخطر الكوارث الناجمة عن تغير المناخ توجد عموماً في البلدان التي تعاني من نسبة متدنية وغير متساوية من التحصيل الدراسي.
وبإمكان التعليم أيضا أن يساعد المجتمعات على الاستعداد للكوارث المتعلقة بتغير المناخ والتكيف معها. وقد وجدت دراسة عن كوبا والجمهورية الدومينيكية وهايتي أن الافتقار إلى التعليم وتدني نسبة القرائية منعا الناس من فهم التحذيرات من الكوارث. وتعمل المجتمعات المحلية في الحكومات مع المسؤولين في مجال التعليم وشركاء آخرين لتثقيف الشباب بشأن التكيف مع تغير المناخ وحماية البيئة، ما يساعد على تنمية قدرة المجتمعات المحلية على التعامل مع آثار هذا التغيربالحفاظ على الطبيعة والنظم الإيكولوجيةوالتنوع البيولوجى.

بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – مدير إدارة الجودة بالكلية وعضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم

زر الذهاب إلى الأعلى