أشرف شتيوى يكتب : مفتاح تجديد الخطاب الدينى بالابتعاد عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين

الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي مهمة في ذاتها للتطوير ومواكبة قضايا العصر، مع مراعاة الضوابط المرعيّة، ومفتاح التجديد هو الوعي والفهم للإسلام من ينابيعه الصافية، بحيث يُفهم فهمًا سليمًا خالصًا من الشوائب، بعيدًا عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين

ومن أبرز الضوابط التي يجب أن تراعى فيمن يقوم بهذا التجديد: مراعاة الاختصاص، والموضوعية والتجرد من الأهواء للوصول إلى الحقيقة، والتمسك بالأصول والثوابت الإسلامية، والتأكيد على محدودية العقل البشري وعدم إحلاله محل الوحي، وإصلاح الفكر الديني في إطار منهجي، والالتزام بأساليب وقواعد اللغة العربية في تفسير النصوص الدينية وتأويلها، وعدم الاعتماد على نصٍّ واحد في الحكم وإغفال بقية النصوص الدينية التي وردت فيه.

وتجديد الدين لا يعني تغييره أو تبديله، وإنما يعنى المحافظة عليه ليكون كما نزل غضًّا طريًا، لا لبس فيه

ويأتي هذا التغيير من أحد الأمور التالية:

إما أن تُطمس بعض معالمه، حتى لا تتضح لمن ينظر فيها.
وإما أن يُقتطع منه شيء؛ فتنتقص بذلك مكوناته.
وإما أن يُضاف إليه ويزاد فيه، حتى تختلف صورته.
فالمرحلة الحالية التي يمر بها العالم العربي والإسلامي، من تصاعد موجات الكراهية والتطرف والعنف والإرهاب والتكفير التي انتشرت – دون علم أو معرفة بطبيعة هذا الدين – تحت دعاوى باطلة تتخذ من الإسلام مرجعية لها، تستدعي أن نجعل من تجديد الخطاب الديني، بصورة عامة، قضية تتصدر القضايا المهمة التي نوليها قدرًا كبيرًا من اهتماماتنا، بدءًا من تحرير هذه المسألة، وانتهاء بتحديد الغايات التي يُقصد إليها من وراء هذا التجديد الذي بات من الواجبات الملحَّة، فلا ينبغي أن يكون تجديد الخطاب الديني، إضعافًا للدِّين في حياة المسلمين، بإقصائه أو بالتقليل من تأثيره، أو بالعبث به جهلًا وتفريطًا وانسياقًا مع الأهواء؛ فهذا الصنيع هو إلى التبديد أقرب منه إلى التجديد.

وعلى ذلك فإن تجديد الخطاب الديني لا يعني التجديد لأصول الدين وثوابته، فهذه مسائل غير قابلة للتجديد أو التغيير، لأنها أركان يقوم عليها بنيان الإسلام وشريعته؛ “فالتجديد إذن هو عودة للمنابع والأصول عودة كاملة صافية، ودعوة للثبات على الحق، وترك التقليد القائم على الاتباع والمحاكاة على غير بصيرة،

ومن هنا يتبين أن التجديد عملية إصلاحية محافظة، وليس عملية تخريبية منفلتة
وهناك بعض الأسباب التي تجعل من التجديد ضرورة لازمة:

أولًا: غياب بعض معالم الدين: حيث ظهر بعض الفلسفات والتقاليد والعادات التي غيَّرت فهم الناس لكثير من حقائق الدين الإسلامي، وظهر ذلك جليًّا بكثرة الفساد واتساع رقعة الانحراف

ثانيًا: الخلل في فهم مراتب الأعمال الشرعية في الخطاب الديني

ثالثًا: عدم تقدير المصالح والمفاسد في بعض ألوان الخطاب الديني “الفتاوى والأحكام الشرعية”

رابعًا: ظهور بعض الأحداث المُستجدة التي لم تكن موجودة من قبل واذا تحدثنا عن ضوابط التجديد في الخطاب الديني نقول إن

المقصود بالضوابط مجموعة القواعد والمحاذير الواجب مراعاتها فيمن يقوم بتجديد الخطاب الإسلامي، والتي تضبط حركة العقل والانفعالات لدى الإنسان فتأتي النتائج إيجابية، خالية من الانحرافات الفكرية والتصورية التي تخالف الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

وللتجديد، ضوابط تحكمه، تنبع من طبيعة الغايات التي يسعى إليها. وما دام التجديد في هذا السياق، يتناول الخطاب الديني عمومًا وفي جميع حقوله، فإن الغاية منه هي تجويد هذا الخطاب شكلًا ومضمونًا، والارتقاء به، وإكسابه مقومات التكيُّف مع العصر، من أجل أن يكون أداة لتبليغ الرسالة الإسلامية، ووسيلة لبناء الإنسان الذي يعرف دينه، وينفتح على عصره، ويندمج في محيطه، ويحترم من يخالفه في المعتقد والرأي والموقف وأسلوب الحياة، ويتحاور معه، ولا ينأى بنفسه عنه، أو يتخذ منه عدوًّا له لمجرد أنه يختلف معه في أمور كثيرة

ومن أبرز هذه الضوابط ما يلي:
أولًا: مراعاة الاختصاص

ثانيًا: الموضوعية والتجرد من الأهواء للوصول إلى الحقيقة

ثالثًا: التمسك بالأصول والثوابت الإسلامية

رابعًا: التأكيد على محدودية العقل البشري وعدم إحلاله محل الوحي

خامسًا: إصلاح الفكر الديني في إطار منهجي

سادسًا: الالتزام بأساليب وقواعد اللغة العربية في تفسير النصوص الدينية وتأويلها: اللغة العربية هي لغة الوحي

سابعًا: عدم الاعتماد على نصٍّ واحد في الحكم، وإغفال بقية النصوص الدينية التي وردت فيه

وللوصول بالخطاب الديني الإسلامي للمستوى الذي يتواكب مع مقتضيات العصر لابد من اتخاذ بعض الإجراءات المهمة منها:

تجديد مناهج الدراسات الإسلامية، بما يكفل تكوين عقلية مستنيرة ومعتدلة تميز بين الثابت والمتغير، والكليات والجزئيات، والأصول والفروع، وتراعي الأولويات.
تدريس مادة الثقافة الإسلامية في مراحل التعليم العام، والتي تُعنى بإبراز جوانب الوسطية الإسلامية القائمة على الخير والرحمة والعدل والمساواة وتطبيقاتها في التشريع الإسلامي.
الوعي بأهمية الدور الديني في حياة الأمم والشعوب، وعدم الاستهتار بهذا الجانب على حساب الجوانب الأخرى، وعدم تصدي غير المؤهلين للخطاب الإسلامي.
التجديد لابد ألا يكون قائمًا على الهوى والتشهي، وإنما يكون الدافع إليه تحقيق المصالح المعتبرة التي تعود على الأمة بالخير في أمر الدنيا والآخرة.
عدم استدعاء الخطابات الإسلامية الجاهزة، وكذا الفتوى من تراث العصور الماضية دون النظرة التحليلية للواقع المعاصر، لأن ذلك يضر أكثر مما يفيد لعدم مواكبته لحاجات وقضايا العصر.
على الدعاة والخطباء ضرورة اعتماد الأدلة والبراهين العقلية من واقع الحياة وتجاربها، بجانب الأدلة النقلية في خطابهم الديني، فإن ذلك أدعى للإقناع والقبول.
ضرورة تجنب مخاطبة الناس بما يخالف السنن الإلهية في الكون والمجتمع من الخرافات والتُّرَّهات التي تملأ بعض الكتب الإسلامية وخاصة كتب الوعظ والإرشاد.
ضرورة تجنب الانتصارات المذهبية، والجمود على الفتاوى الموروثة، التي تغيّر زمانها، في الخطاب الدينى

زر الذهاب إلى الأعلى