خالد محمود خالد يكتب: الطريق الى الابتكار

هل يمكن لدولة صغيرة، لا تصنّع سيارة واحدة حاليًا، أن تنتج محرك احتراق داخلي خاص بها؟
الإجابة باختصار: نعم، إذا توفرت الإرادة، ورفع القيد عن العقول، وكُفّت أيدي البيروقراطية عن أعناق المهندسين.
لقد أصبحت تكنولوجيا تصنيع المحركات اليوم “متاحة معرفيًا”، أي أن أسرارها لم تعد سرًا، والمواد العلمية والبرمجيات والمحاكاة والأبحاث أصبحت في متناول أي فريق بحثي مجتهد، حتى لو كان في دولة نامية. ما ينقصنا ليس “المعلومة”، بل “البيئة” التي تسمح للفكرة أن تنبت.
تجارب دول نجحت:
كوريا الجنوبية:
بدأت رحلتها بمحركات بتراخيص من ميتسوبيشي اليابانية، ثم تحولت إلى واحدة من كبار مصنّعي المحركات عالميًا عبر شركات مثل هيونداي وكيا، وتمكنت من تصدير تقنيتها لبلدان أخرى.
إيران:
رغم العقوبات والحصار، نجحت في تطوير محرك EF7 باستخدام خبراتها الذاتية، وأصبحت تصنّع مئات الآلاف من المحركات سنويًا، موجهة للسوق المحلي بالأساس.
ماليزيا:
أنشأت “بروتون” بدعم من ميتسوبيشي، ثم لاحقًا طورت محركًا وطنيًا خاصًا بها، بفضل التعاون مع شركات هندسية دولية وفريق محلي جاد.
تركيا:
بدأت مشروع السيارة المحلية TOGG، وتعمل على تطوير محرك محلي بالكامل، ضمن مشروع وطني استراتيجي يمتد إلى الصناعات الدفاعية والطيران.
العدو الخفي: البيروقراطية الإدارية
إذا كانت المعرفة متاحة، فما الذي يعطل الانطلاقة؟ إنه مرض عضال منتشر في المؤسسات الحكومية والهيئات العامة:
إدارة هندسية خاضعة لإداريين يفكرون بعقلية الدفاتر، لا بأفق المشاريع.
مهندس عبقري قد يُقابل بالتحقير من مشرف إداري لأنه “تأخر نصف ساعة”.
باحث يطلب يومين للعمل من المنزل لتطوير برنامج محاكاة فيُجبر على الحضور والانصراف “بالبصمة”.
فريق بحثي يُخصص له “كوب شاي واحد في اليوم” تحت شعار “ترشيد النفقات”.
بهذا الشكل لن نصنع محركًا، بل سنصنع إحباطًا.
ما المطلوب؟
1. منح المهندسين والفنيين مساحة للابتكار والتحرك دون قيود وقتية سخيفة.
2. فصل الإدارة العلمية عن البيروقراطية المالية اليومية.
3. اعتماد حوافز مرتبطة بالنتائج، لا بعدد ساعات الجلوس على المكتب.
4. إدخال الخبرات من الخارج لا لتقود المشروع، بل لتدرب وتدعم الفريق المحلي.
مليار دولار ليست كثيرًا
بمليار دولار فقط، يمكن بناء مركز بحثي، مصنع متكامل للمحركات الصغيرة، وتطوير أول محرك وطني خلال 3–5 سنوات، بشرط أن يُدار المشروع بعقلية شركات التكنولوجيا لا عقلية دفاتر المخازن.
لن نصنع محركًا وطنيًا إذا كنا نراقب المهندسين أكثر مما نثق بهم. ولن نبتكر إذا كنا نخشى أن يشرب أحدهم كوب شاي إضافي فى اليوم .
الأمم العظيمة لا تُبنى بمواعيد الحضور والانصراف، بل تُبنى حين يُترَك للعقل أن يعمل، وللخيال أن يحلم، وللمهندس أن يخطئ ثم يصيب .
المحرك ليس قضية تقنية فقط، بل قضية حرية وتحرر من التبعية