فنون

م. خالد محمود يكتب: “لماذا نحن جميعًا.. صاوي وجمعة؟”

من فيديو قطط إلى مرآة ساخرة للمجتمع

في مشهد لا يتجاوز الدقيقة، التقى قطان في شارع شعبي عشوائي: أحدهما أبيض يُدعى “الصاوي”، والآخر أصفر يُدعى “جمعة”، كما أطلق عليهم مُعلّق فكاهي مجهول. لا عراك فعلي، لا دماء، فقط وقفة مشحونة بالنظرات والمواقف.
ثم جاءت الجملة التي أشعلت التريند:
“إيه يا صاوي!”
“يلا يا جمعة!”

وبينما كنا نضحك من القلب على أداء ساخر، و”كوميكس” لا تتوقف، لم يلحظ الكثيرون أن ما جرى ليس فقط مشهدًا مضحكًا، بل هو صورة رمزية مكثّفة لواقع نعيشه… دون أن ننتبه.

من القط إلى المواطن: التشابه مخيف

“الصاوي وجمعة” ليسا مجرد قطين بلديين، بل اسمان مستعاران لواقعنا المتشابك:

نحن نقف مثلهم، وجوهنا في وجوه بعض، نصرخ دون أن نتحرك.

نُهدد، نُصعّد، نتصنّع الجرأة… ثم ننتظر الآخر أن يبدأ.

لا أحد يبدأ، ولا أحد ينسحب.

فقط وقفة طويلة تُرعب المارّة، وتضحكهم… مثل حياتنا تمامًا.

-المشهد الاجتماعي كما هو

• معارك الشارع اليومية:

“الصاوي وجمعة” يمكن أن يكونا:
سائقين في زحمة مرورية.
بائعين يتنازعان على رصيف.
جارين يتشاجران على صوت الغسالة. المشترك بينهم: لا حل، فقط صوت عالي، ونظرات مشحونة.

• المصري ومسرحة الواقع:
من تعليق بسيط، خلق الناس قصة متكاملة. أعطينا القطط أسماء، وأدوارًا، ونصوصًا، وحكايات.
تمامًا كما نفعل في السياسة، والإعلام، وحتى الحياة اليومية:
نمنح الفارغ قيمة… ونتعامل مع الوهم كحقيقة.

الإسقاط السياسي: حين تُصبح الفرجة حياة

نحن لا نعيش السياسة… نحن نتفرّج عليها.

كما جلس الجميع يشاهد “الصاوي وجمعة”، جلسنا من قبل نشاهد:
مظاهرات بلا نتيجة.
مناظرات بلا معنى.
صراعات على الشاشات لا تحدث على الأرض.

“إيه يا صاوي!”
ليست مجرد دعابة، إنها نداء شعبي موجه لكل من يتظاهر بالقوة… ولا يفعل شيئًا.

الاقتصاد الجديد: التريند هو الملك
تخيل أن فيديو قطتين يمكن أن يُطبع على:

تيشيرتات -أكواب -إعلانات
وكذلك القط البلدي أصبح براند .
لأن “الصاوي وجمعة” رمز بسيط، شعبي، وعشوائي… لكنه أصيل.

لم يُقص شعره، لم يرتدِ فيونكة، لم يُدرّب في منتجع قطط.
هو من الشارع، مثل كثيرين فينا… لكنه أصبح نجمًا.

الفكرة الفلسفية الكبرى
نحن نحتشد أمام بعضنا البعض في الشوارع، في المواقف، في التعليقات.

ننتظر معركة لا نريدها، ونحتمي بالصراخ عن الفعل.
ننظر للآخر بحدة، لكننا نعرف داخليًا أننا لن نفعل شيئًا.
وهكذا… نعيش حياة استعراضية، ونضحك عليها.

إذًا… ماذا نفعل؟
هل المطلوب أن نكف عن الضحك؟ بالعكس.
لكن المطلوب أن نُدرك أن وراء ضحكتنا… صرخة غير منطوقة.

فربما كان “الصاوي وجمعة” آخر من حمل الرسالة: “أنتم تتشاجرون كما نفعل نحن… لكن على الأقل، نحن لا ندّعي غير ذلك.”

وفى النهاية في زمن أصبحت فيه القطط البلدي أكثر تعبيرًا عنّا من سياسيينا… ربما علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن نعيش… أم فقط نُقلّد “الصاوي وجمعة”؟

زر الذهاب إلى الأعلى