آراء

يوسف عبداللطيف يكتب: الإخوان وحماس خنجران في قلب الأمة

لم تكن معركة هذه الأمة يومًا بين يمين ويسار، ولا بين علماني ومتدين، بل كانت دائمًا وأبدًا بين من يؤمن بالوطن ومن يبيعه، بين من يبني الدولة ومن يسعى لهدمها باسم الدين، بين من ينتمي للتراب ومن ينتمي لتنظيم. وهنا، في قلب هذا الصراع التاريخي، تقف جماعتان كانتا ولا تزالان الأخطر على الإطلاق على مشروع الدولة الوطنية العربية: *الإخوان وحركة حماس*. تنظيمان تشكّلا في سياق مختلف، لكنّ كليهما انطلق من نفس الجذر السام، ومن نفس الفكرة التي لا تعرف حدود الوطن ولا قدسية الدم العربي.

منذ تأسيس الإخوان عام 1928، لم تكن الجماعة إلا مشروعًا فوق وطني، هدفه الاستيلاء على الحكم لا خدمته، وبناء دولة الخلافة لا الدولة الوطنية. رفعوا المصاحف شعارًا وملأوا الشوارع بشعارات الإسلام، بينما كانوا في الخفاء يؤسسون أجهزة سرية، ويغتالون القضاة والوزراء، ويتآمرون مع الغريب ضد القريب، متى خالفهم. *اغتيال النقراشي، مقتل الخازندار، محاولة قتل عبد الناصر، والتنظيم الخاص*، ليست أحداثًا في كتب النسيان، بل وثائق حية في الذاكرة الوطنية، لا تُمحى بالتقوى الظاهرة ولا بتبديل الخطاب.

وفي فلسطين، لم تكن حماس سوى فرع آخر لهذا الجسد المسموم. تأسست في أحلك لحظات الانتفاضة الأولى، لكنها لم تقاتل لتحرير الأرض بقدر ما قاتلت لتحرير التنظيم من منافسيه. يوم أن كانت منظمة التحرير تخوض معركة الكفاح المسلح، كانت حماس تشيد المساجد والمراكز، وتجمع الأنصار لا لمواجهة الاحتلال، بل لتفتيت الصف الفلسطيني من الداخل، خدمةً لأجندة الإخوان الكبرى.

ثم جاءت اللحظة الكاشفة: *انقلاب 2007* في غزة. لم يكن هذا الانقلاب إلا ترجمة حرفية لمنهج الإخوان التاريخي: لا شريك في السلطة، لا تسامح مع المعارض، ولا حرمة للدم. اقتتل الإخوة، وسالت الدماء في شوارع غزة، لا برصاص المحتل بل برصاص “المقاومة الإسلامية”. جُرّ الفلسطيني من بيته، وأُلقي من على السطح، وسُحل في الشوارع، وصودرت كرامته باسم الشريعة. ومن يومها، تحوّلت غزة من عنوان للبطولة إلى *رهينة في قبضة الإخوان*، تُستخدم متى شاءوا للمقايضة والابتزاز والتمكين.

أما في مصر، فالجريمة أعظم. يوم وصل الإخوان إلى الحكم في 2012، لم يمارسوا السياسة، بل نفذوا خطة اغتيال الدولة من الداخل. عينوا الموالين في المناصب، وهددوا القضاء، وسخّروا الإعلام، وفتحوا الأبواب لحلفائهم في غزة، حتى رأينا السلاح يُهرّب عبر الأنفاق، ورجال حماس يُستدعون لتأمين الحدود لا لحمايتها، ولسان حالهم يقول: “لا وطن إلا حيث يكون المرشد”.

ولم ننتظر كثيرًا حتى وقع الخطر الأكبر: اقتحام السجون، قتل الجنود، عمليات إرهابية في سيناء، واختلاط الدم المصري بسم الإخوان. وثائق الدولة، شهادات القادة العسكريين، وأدلة المخابرات المصرية كلها تقول بوضوح: كانت هناك *خيانة مكتملة الأركان*، شاركت فيها حماس، نفذتها خلايا الإخوان، وكان هدفها إسقاط الدولة من جذورها. هذه ليست دعاوى خصوم، بل حقائق مدوّنة في محاضر، ومثبّتة في أحكام قضائية، وموثقة في تقارير دولية.

ولما فشل مشروعهم في مصر، فرّ الإخوان إلى الخارج، واصطنعوا خطابًا جديدًا عن “الشرعية”، تمامًا كما غيّرت حماس خطابها لاحقًا لتدّعي أنها “حركة وطنية فلسطينية مستقلة”، وكأن التاريخ يمكن غسله بوثيقة سياسية. لكن من عاش في الظل لا يعرف النور، ومن نشأ على خيانة الأوطان لا يصبح وطنيًا ولو لبس ألف قناع.

إن حماس اليوم لا تختلف في جوهرها عن الإخوان بالأمس. كلاهما يستخدم الدين وسيلة، والوطن مطية، والدم وسيلة للإلهاء. كلاهما تاجر باسم القضية، وباع المقاومة في بازار المصالح الإقليمية. ولا عجب أن ترى علم الإخوان مرفوعًا في عواصم أجنبية، وأن ترى قادة حماس يتنقلون بين الفنادق الفاخرة فيما أبناء غزة يغرقون في الحصار. الكذبة واحدة، والمجرمون ذاتهم، فقط تختلف الواجهة.

ولذلك، فإن الصمت على جرائم الإخوان وحماس هو خيانة مضاعفة، لا للوطن فقط، بل للتاريخ، ولدماء الشهداء، ولآلام الشعوب التي دفعت ثمن أحلام هؤلاء المهووسين بالحكم. هؤلاء لا يحق لهم الحديث عن وطن، لأن الوطن بالنسبة لهم مجرد محطة نحو “أممية” زائفة، لا تعترف بعلم ولا جيش ولا دستور.

نحن لا ننسى، ولن ننسى. لا انقلاب غزة يُمحى، ولا خيانة وادي النطرون تُغفر، ولا تحالفاتهم مع الإرهاب تُغضّ الطرف عنها. نحن نكتب بالحق، وننطق بما سكت عنه المترددون، ونؤمن أن أخطر ما مرّ على هذه الأمة ليس العدو الخارجي، بل *العدو الذي لبس عباءة الدين وأشعل النار فينا من الداخل*.

ولذلك، فإن الإخوان وحماس لن يُغفرا، لا تاريخيًا، ولا وطنيًا، ولا أخلاقيًا. إنهما *خنجران مسمومان في قلب الأمة*، والوعي هو درعنا الأول، والذاكرة الوطنية سلاحنا الأخير. ولا بد أن يعرف هذا الجيل، والأجيال التي تليه، من هم أعداء الوطن الحقيقيون، وأن لا يُخدعوا مرة أخرى بالعمائم الكاذبة ولا بالرايات المزيفة.

*لأن الوطن لا يُبنى على دم الكذب، ولا يُحمى بمن خانوه بالأمس، ويخونونه اليوم باسم الدين.*

زر الذهاب إلى الأعلى