م. خالد محمود خالد يكتب: هيبة البحر ليست حديثة العهد

البحر ليس مجرد مياه زرقاء نلهو عند أطرافها في المصايف، بل هو أحد أعظم مخلوقات الله، يغطي أكثر من سبعين في المائة من سطح الأرض، ويمتد على مساحات لا نهاية لها حتى يختلط الأفق بمائه في مشهد مهيب يذكّر الإنسان بضعفه أمام عظمة الخالق. من يقف على الشاطئ ويستمتع بالهواء الرطب أو بموجة صغيرة تمر على قدميه قد يظن أن البحر وديع مطمئن، لكنه في الحقيقة لا يرى إلا أطرافه، أما داخله فهو عالم آخر متقلّب المزاج، قد يظل هادئًا ساعات طويلة ثم ينقلب في لحظة إلى قوة هادرة قادرة على ابتلاع من يستهين بها.
هيبة البحر ليست حديثة العهد، فمنذ القدم ارتبط ركوب البحر بالرهبة والإجلال، وكان لقب القبطان عنوانًا للشجاعة والخبرة. بل إن القبطان الذي يخطئ أو يتهوّر يُعاب بين زملائه بقولهم إنه لا يصلح إلا لملاحة الأنهار، في إشارة إلى الفرق بين محدودية النهر وأمانه النسبي، وبين البحر الذي لا يرحم.
لكن المؤسف أن كثيرًا من المصطافين على شواطئنا يتعاملون مع البحر وكأنه ترعة في قرية، يدخلونه بلا حذر، يهملون تعليمات المنقذين، ويتجاهلون الأعلام التحذيرية التي ترفعها إدارات الشواطئ. وربما يظن البعض أن براعتهم في السباحة كافية لحمايتهم، غير مدركين أن الموج وحده قادر على شلّ حركة أمهر السباحين، وأن التيارات الخفية قد تجرف الإنسان بعيدًا عن الشاطئ قبل أن ينتبه. ولنا في الحوادث المتكررة على شواطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر عبرة لمن يعتبر، إذ تبدأ القصة دائمًا بلحظة استهانة وتنتهي بمأساة تبكي لها أسر كاملة.
البحر صديق عظيم لمن يحترمه، لكنه غادر لمن يستخف به. لذلك فإن احترام قواعده ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على الأرواح. وعي الإنسان وحذره هو خط الدفاع الأول، فلا أمان في البحر إلا بالالتزام بتعليماته. إن جمال البحر وسحره لا يُقاومان، لكنه في الوقت نفسه يظل قوة عاتية لا تعرف المزاح، فلا تجعلوا من لحظات المتعة ذكريات حزينة، ولا تنسوا أن البحر، برغم عظمته، لا يغفر أخطاء المستهترين.