آراء

م.خالد محمود خالد يكتب: حصانة المبلغ أقوى من سلاح المجرم

في سنوات مضت، كان المواطن إذا شاهد جريمة وتوجه إلى قسم الشرطة ليُبلغ عنها، يواجه بالسؤال التقليدي: “ما هو الضرر المباشر الذي وقع عليك لتتقدم بهذا البلاغ؟”

إجابة هذا السؤال كانت كافية لإسكات أي مبادرة، لأن الحق في البلاغ كان حكرًا على المجني عليه فقط. وهكذا عاش المجتمع سنوات تحت سطوة الخوف والسكوت، بينما كان المجرم مطمئنًا أن لا أحد سيقف ضده إلا ضحيته المباشرة.

لكن الأمور تغيّرت.الكاميرات والهواتف الذكية جعلت كل مواطن شاهدًا محتملًا، والنيابة العامة أكدت أن من حق أي إنسان أن يبلغ عن الجريمة التي يراها. وهكذا وُلدت ثقافة جديدة: المواطن شريك في العدالة، لا مجرد متفرج.

غير أن الخطوة الحاسمة في ترسيخ هذه الثقافة ليست في تمكين المواطن من البلاغ فقط، بل في منحه حصانة مطلقة.
الحماية الحقيقية لا تعني أن يختبئ المبلِّغ، بل أن يمشي مطمئنًا في النور، يقول بصوت عالٍ: “أنا الذي بلّغت عنك”، دون أن يخشى انتقامًا أو تهديدًا. لأن أي محاولة للمساس به ولو بكلمة سب أو تهديد—تُقابل بعقوبة رادعة أشد من العقوبة الأصلية للجريمة.

بهذا الشكل، يصبح المبلِّغ محصنًا بقوة القانون، والمجرم نفسه سيجد أن أسلم طريق له أن يحمي من بلّغ عنه، بدلًا من أن يفكر في إيذائه.

من الشاهد الصامت إلى الرقيب المحصّن

تخيل مجتمعًا فيه المبلِّغ ليس شاهدًا صامتًا ولا خائفًا، بل مواطنًا مُحصنًا بالقانون، تحترمه الدولة ويحترسه الجاني.عندها فقط تتغير المعادلة: المجرم يعلم مسبقًا أن الاعتداء على شخص عادي جريمة، لكن مجرد التفكير في الاقتراب ممن بلّغ عنه هو انتحار قانوني، لأن العواقب ستكون وخيمة ولا رجعة فيها.

مقترحات للتطوير

تغليظ العقوبة على أي محاولة مساس بالمبلِّغ أو المصوِّر، لتتجاوز عقوبة الجريمة الأصلية.

إعلان صريح من الدولة أن المبلِّغ يتمتع بحصانة خاصة باعتباره “مشاركًا في تحقيق العدالة”.

تدشين حملات توعية تشرح أن المبلِّغ لا يُعاقب ولا يُطارد، بل محمي ومحصن.

إدراج نص قانوني واضح يعتبر مجرد التهديد اللفظي أو الإشارة العدائية تجاه المبلِّغ جريمة كبرى.

إطلاق تطبيق إلكتروني رسمي للإبلاغ الفوري عن الجرائم مرفقًا بالصور أو الفيديو.

حملات توعية على كيفية توثيق الأحداث بالتركيز على الأدلة المهمة: رقم السيارة، ملامح الوجه، معالم المكان.

التوسع في الكاميرات الذكية وربطها بشبكة موحدة للشرطة، بحيث يصبح تتبع الجناة أسرع وأكثر دقة.

ربط ترخيص المحلات بوجوب تركيب كاميرات خارجية على مدخل المحل وتغريم اى محل تكون الكاميرا المركبة عطلانة ولا تعمل وسيكشف هذا الامر عند الاحتياج لتفريغها

فى النهاية يجب ان تعزز ثقة المواطن في أنه لن يُترك وحده.
والمجرم يجب أن يفهم أن زمن “الانتقام من المبلِّغ” انتهى، وأن القانون اليوم يحمي هذا المبلِّغ حصانةً أشد من أي حصانة أخرى.
حينها فقط، لن يخشى المواطن من قول الحقيقة، ولن يجرؤ المجرم على المساس به، بل قد يجد نفسه مضطرًا لحمايته.

زر الذهاب إلى الأعلى