آراء

م. خالد محمود خالد يكتب: البراءة في مواجهة الابتزاز

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مشهدًا لفتاة صغيرة أمسكت بمصروفها، ثم أحجمت عن شراء كيس من الشيبسي، مفضلة أن تعطي ثمنه لأحد المتسولين الذي كان يسير بجوارها. المشهد بدا مؤثرًا وامتلأت التعليقات بالثناء على عفوية الطفلة وطيبتها، حتى تحوّلت إلى “بطلة ترند” تجسّد براءة الفطرة الإنسانية.

لكن وسط هذا الزخم العاطفي، غابت عن الأنظار تفاصيل لا تقل خطورة عن المشهد ذاته. لم يلتفت أحد تقريبًا إلى موقع المتسول من الحكاية، ذلك الرجل الذي مد يده بكل أريحية ليأخذ من طفلة صغيرة مصروفها، ثم مضى إلى حال سبيله وكأن شيئًا لم يكن. لم نسمع استنكارًا ولا تعقيبًا على فعلٍ يكرّس في الواقع ثقافة سلبية خطيرة: أن استغلال الأطفال أمر عادي، وأن اليد التي تُمد لا تُسأل من أين ولا إلى أين.

المجتمع الذي صفق للمشهد قدّم مكافأة معنوية للطفلة، لكنه في الوقت ذاته مرّر دون وعي سلوكًا غير مقبول. فالبراءة شيء، واستغلال البراءة شيء آخر. وحين يختفي الفعل السلبي خلف هالة من الإعجاب بالجانب المضيء، يصبح الخطر مضاعفًا.

المفارقة أن القضية هنا ليست في الطفلة – فهي لم تفعل إلا ما جُبلت عليه من صفاء – بل في ذلك الذي استقبل عطاياها وكأنها “حق مكتسب”، وفي مجتمع يتغافل عن الفعل المرفوض بحجة الانبهار بالعاطفة.

لذلك كما نالت الطفلة حقها من التكريم اطالب بالقبض على النطع المتسول الذى قبل بكل انانية ان ياخذ من الطفلة مصروفها ليضعه فى جيبه بكل اريحية

الترند الذي أضاء على الطفلة أطفأ في المقابل جانبًا مظلمًا: التساهل مع التسوّل، والتطبيع مع فكرة أن من حق أي عابر أن يأخذ من يد طفل ما يشاء. وهذه بالضبط هي البذور التي تزرع داخلنا ثقافة الخضوع للابتزاز العاطفي، وتعيد إنتاج دائرة الاستغلال بلا نهاية.

زر الذهاب إلى الأعلى