افتح الباب لتبادل الكرامة قبل تبادل المال

بقلم مهندس خالد محمود خالد
ليست كل يدٍ ممدودةٍ للآخر هي يد عطاء، فبعض الأيادي الممدودة تمدّ لتُكرم لا لتُعطي.
والإحسان، في أرقى صوره، ليس أن تُعطي الفقير مالًا أو طعامًا، بل أن تأخذ منه شيئًا بسيطًا ليبقى واقفًا مرفوع الرأس، يشعر أنه شريك في الودّ لا متلقٍ للمنّة.
جارك الفقير العفيف الذي لا يسأل، لا لأنه لا يحتاج، بل لأنه يستحي أن يُعرف ضعفه، يبيت بين جدرانٍ ضيّقةٍ وقلبٍ متسعٍ بالعزة.
قد تمرّ عليه الأيام الشداد، ويُخفي حاجته بضحكةٍ مصطنعة أو بحديثٍ عابرٍ عن الطقس.
وما بين صمته وحياءه، يكاد أن يُكافح ليبقى كريمًا كما عهد نفسه.
فلا تُحرجه بعطائك المباشر، ولا تُثقل عليه بفضلٍ لا يقدر على رده.
لا تبدأ بالعطاء، فإنه سيتعفف، بل ابدأ بالودّ.
خذ منه قليلًا من الملح، أو استعر أداة بسيطة، أو ادعه إلى فنجان قهوة عندك، وافتح الباب لتبادل الكرامة قبل تبادل المال.
فإذا آنست منه أنسًا، وجدت الطريق ممهّدًا لإكرامه من غير أن تنكسر نفسه.
وادخل عليه بابتسامةٍ تقول: “نفد عندي الملح يا جار، هل عندك قليل؟”
بهذا السؤال البسيط، فتحت له باب الكرامة من أوسع أبوابه.
سيشعر أنه قادر على العطاء، وأنه ليس عالةً على أحد، وأن بينكما تبادلًا يليق بالإنسان لا بالاحتياج.
فأحيانًا يكون جبر الخاطر في أن تقبل لا أن تُعطي.
أن تقبل كوب الشاي من فقيرٍ يعرف أنك أغنى منه، لكنك تشربه بامتنانٍ صادق، وكأنك نلت كنزًا.
أن تُثني على طعامٍ بسيطٍ صنعه بجهده، فتُبهج قلبه أكثر مما تُبهج مائدتك.
أن تحتفي بما قدّمه لك، ولو كان رمزيًا، لتقول له ضمنًا: “أنت تملك ما يُسعد الآخرين.”
كم من فقيرٍ لم يُكرمه الناس بعطائهم، لكنهم أهانوه بطريقة عطاءهم.
وكم من كريمٍ لم يُعطِ مالًا، لكنه جبر خواطرًا بقبوله القليل، فكان في ميزان الله أغنى الأغنياء.
ليكن إحسانك ذكاءً لا شفقة، وليكن عطفك سترًا لا استعراضًا.
فأعظم الصدقات تلك التي تحفظ للفقير عزه، وتُبقي في قلبه إحساس الشراكة لا الحاجة.
اسأل جارك الفقير قليلًا من الملح، لا لأنك تحتاجه، بل لأنه يحتاج أن يشعر أنه ما زال قادرًا على العطاء.
فربّ ابتسامةٍ عند بابه تُنجيه من شعورٍ بالوحدة، وربّ سؤالٍ بسيطٍ يفتح في قلبه نافذة ضوء.
إن الإحسان الحقيقي ليس أن تُغني فقيرًا، بل أن تحمي قلبه من الفقر.
افتح الباب لتبادل الكرامة قبل تبادل المال