عايدة عوض تكتب : دافوس واسرائيل وصفقة القرن

كل عام في الشتاء يعقد اجتماع دافوس في سويسرا لأقطاب العالم للتشاور عن الاقتصاد والسياسات التي ستتبع في العام القادم. وهذا العام انعقد هذا الاجتماع من ٢١-٢٤ يناير ولكن الكثير من المشاركين تركوه قبل الانتهاء لانهم لديهم ميعاد اخر في إسرائيل للاحتفال بذكرى انتهاء الهولوكوست. وطبعاً لا يفوت اسرائيل مناسبة تذكر فيها العالم كله بان اليهود ضحايا اعتداء وإبادة ويقيموا الذكريات ويقوموا بالتهويل وذلك للتأثير على النفس البشرية التي تتعاطف معهم.

ولكن في الأعوام القليلة الماضية يبدو ان هذا الوضع قد تغير الى حد ما لان أعمالهم كدولة اسرائيل بالنسبة لاحتلالهم لفلسطين ومعاملاتهم للفاسطينيين والإبادة العرقية والتهجير والسطو على أراضيهم وطردهم من بلدهم كلها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، وبدأ يراها باقي شعوب العالم ويرفضها، حتى لو بعض الحكومات تتغاضى عنها.

قام فريق ترونيوز بنشر اول برنامج لهم من دافوس وكان هذا البرنامج مهم للحديث الذي أجراه ادوارد زال مع الحاخام الملقب بانه “حاخام بوتن”. هذا الحاخام من الطائفة المتشددة جداً “شاباد لوبوفيتش” وهو على علاقات وطيده ليس ببوتن فقط بل وبعائلة چاريد كوشنر الذي ينتمي لنفس الطائفة المتشددة.

وقام ادوارد بمحاورته وسؤاله بعض الأسئلة عن العلاقة بينه وبين الروس والأمريكيين وبدأ بسؤاله عما إذا كان قد اطلع على “صفقة القرن” المفروض إعلانها قبل الانتخابات الاسرائيلية القادمه في مارس القادم. وأكد الحاخام انه لم يرى الاتفاقية كلها ولكنه اكد انها لا تضم حل الدولتين بل انها دولة واحده وكلها تحت السيطرة الاسرائيلية.

 

ويبدو ان منافس نتنياهو في الانتخابات بيني جانتز الذي كان معترض على الإعلان عن هذا المشروع للسلام في الشرق الاوسط لانه سيعطي دفعة لنتنياهو في الانتخابات، قد غير رأيه والان يسمح بالإفصاح عنها. هل هذا لانه انضم لنتنياهو في نظرته المتطرفة ام لغرض سياسي اخر؟ ولذا قد نجد انه إما سيعلن عنها قريباً او انهم سيتبعون نفس الاسلوب السابق من تسريبات عبر أدوات إعلاميه حتى يعرفوا رد فعل الأطراف الاخرى قبل تبنيهم للنسخة الاخيرة التي تنشر رسمياً.

 

واستكمالاً للحديث مع “حاخام بوتن” سوئل لو ان روسيا تساند هذا الحل وقال انها فعلاً ورائه وتسانده. وقد يكون هذا هو التسريب الأول لهذه النسخة كما كانوا قد فعلو بالنسخة السابقة في النصف الثاني من ديسمبر الماضي.

وفد قام نتنياهو بدعوة حوالى ٤٠ من روساء الدول لمشاركة اسرائيل يوم الخميس ٢٣ يناير الجاري بالاحتفال بالذكرى ال٧٥ لتحرير معسكر اوشفيتز اشهر المعسكرات النازية الذي احرق فيه الكثير من اليهود. وكان الجيش الروسي هو الذي قام بتحريره في بولندا. ويقيم نتنياهو هذه الاحتفالية ليعيد تذكير العالم بمأساة اليهود لان هذا هو اسلوبهم للابتزاز العاطفي والذي ينتج عنه الكثير من العطاءات.

 

ولكن هذه المرة يبدو ان العالم قد أيقن هذه اللعبة، فنجد عدد من اهم الرؤساء المشتركين في هذا الاحتفال يقومون بزيارة الرئيس محمود عباس في بيت لحم بعد انتهاء الزيارة الرسمية لاسرائيل. وهذه الزيارات لبيت لحم تضعف من موقف اسرائيل لانها تذكر العالم انها الان بلد يقوم بالاحتلال وليسوا الضحايا كما يريد نتنياهو تصويرهم.

وكان بوتن قد ذهب الى زيارة اسرائيل صباح امس وكان واحد ممن القوا بخطاب في هذه المناسبة، كما ألقيت الخطب أيضًا من رؤساء فرنسا وألمانيا ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز . ويحضر الحفل أيضاً ملوك إسبانيا وبلجيكا وهولندا. .

وبعد انتهاء هذه الزيارة اتجه بوتن للقاء الرئيس محمود عباس في بيت لحم. وبناء على قناة روسيا اليوم كان هذا اللقاء للتأكيد للسيد عباس على ان روسيا تدعم الموقف الفلسطيني وحل الدولتين ودعم ان القدس الشرقية هى عاصمة فلسطين. وهذا للتأكيد على ثبات موقف روسيا وسط الظروف الصعبة والتي تحاول فيها اسرائيل بمساعدة امريكا ضم ليس فقط الضفة الغربية ولكن ايضاً غور الاردن. وكل هذا بطبيعة الحال منافي للقانون الدولي ولقرارات مجالس الامن وتعتبر جميعها جرائم حرب.

والجدير بالذكر ان فلسطين قد تقدمت بقضية للمحكمة الجنائية الدولية ضد اسرائيل تتهمها بجريمة حرب في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها.

وكان ماكرون في زيارته لاسرائيل للاحتفال بالسيطرة على اوشفيتز قد قام بجولة زار فيها المسجد الاقصى حيث شرح له القائمين عليه كل الانتهاكات التي يتعرض لها، ثم زار حائط المبكي واخيراً عند زيارته لكنيسة في القدس قوبل بعدد كبير من الشرطة المدججة بالسلاح في داخل الكنيسة وفاض به ونهر احدهم وطرده من الكنيسة. وبعد انتهاء زيارته لاسرائيل وبالرغم من استياء نتنياهو اكمل ماكرون بزيارة محمود عباس في بيت لحم.

والجدير بالذكر ان موقف ماكرون وفرنسا ثابت على ان الحل الأمثل لهذه القضية هو حل الدولتين في داخل حدود الرابع من يونيه ١٩٦٧ ويري ان ما تسميه امريكا بصفقة القرن هى محاولة لشطب القضية الفلسطينيه وانه يقترح بدائل لهذه “الصفقة”.

ومع ذلك نرى ان اسرائيل مازالت تعمل على الترويج لفكرة ضم أراضي محتلة لتصبح اسرائيل الكبري وان امريكا وبالأخص چاريد كوشنر يشجع هذا بقوة. وقد استخدم “حاخام بوتن” فرصة وجوده في دافوس ومحاورته مع برنامج ترونيوز ليشرح الوضع الجديد بالنسبة للحل الصهيوني لقضية الشرق الاوسط وهو إقامة دولة واحده هى اسرائيل ومدينه تسمى بفلسطين الجديده تكون خاضعة لاسرائيل في كل شئ.

وهذا أسلوب اخر من حرب الجيل الرابع ولنا سنين الان ونحن نري حلول قضية الشرق الاوسط وهي تتحور في كل نسخة الى رقعه اصغر لفلسطين وأراضى اكثر لاسرائيل .وها نحن وصلنا الى النقطة التي تتلاشى فيها فلسطين بالكامل وتسمى بـ “فلسطين الجديدة” ولا يوجد لها كيان او دوله وقد ابتلعتها اسرائيل بالكامل. واستخدام الحاخام الذي يسميه الأعلام “بحاخام بوتن” في الترويج لهذه النسخة من “صفاقة القرن” ومحاولة اقناع العالم الغربي بأن بوتن موافق على ذلك هو احد اساليب الخداع والمعلومات المغلوطة التي تستخدمها إسرائيل لاقناع الشعوب الغربية بواقع لا وجود له كي يتقبلوه عندما تطبقه.

وطبعاً جاءت زيارة بوتن للرئيس عباس في بيت لحم لتؤكد على مساندة روسيا لحل الدولتين ولذا فلم يسعد نتنياهو بزيارات كل من بوتن وماكرون لفلسطين بعد زياره اسرائيل وذلك للتأكيد ان موقف بلادهم مازال ثابت من القضية الفلسطينية

يحتاج نتنياهو الى اي نوع من الدعم لكي يتمكن من الفوز في الانتخابات الثالثة بعد ان خسر بفارق بسيط في الجولتين الأولى والثانية، ولذا يحاول ان يقنع ترامب بالإعلان عن هذه النسخة الاخيرة من “صفاقة القرن” قبل الانتخابات المقرر لها مارس القادم. وقد قال نتنياهو لبعض المقربين له انه لن يعلن ضمه للضفة الغربية وغور الاردن الا بعد اعلان ترامب عن ذلك.

 

وفي تغريده ارسلها ترامب في المساء الامريكي امس قال فيها ان اي تفاصيل عن صفقة القرن او توقيت إعلانها ما هى الا تكهنات ، وهذا دائما ما يفعله عندما يجد رفض قوي لاي تسريبات تقوم بها ادارته او اسرائيل لما يريدون تطبيقه. وهذه المرة كان الرفض من روسيا وفرنسا واضح وعلني بزيارتهما لمحمود عباس فوراً بعد زيارة اسرائيل.

ثم اكد البيت الأبيض ان ترامب قد وجه الدعوة لكل من نتنياهو وجانتز رئيس حزب ازرق ابيض والذي كان قد فاز على نتنياهو في الانتخابات السابقة – مرتين- لكن بفارق بسيط لم يسمح له بتكوين حكومة ائتلافية ولم يتمكن من ذلك بعد محاربة نتنياهو له، قد وجه الدعوة لزيارة واشنطن لمناقشة صفقة القرن.

ومن الواضح بجلاء ان هذه الصفقة لا تأخذ في الاعتبار الجانب الفلسطيني اطلاقاً بكل التهميش الذي تلاقيه من جانب الادارة الامريكيه. وفي سياق هذه الدعوة اعلن بعض المسؤلين في اسرائيل ان اي اقتراحات أمريكيه لا تتضمن حل البلد الواحد، اي لو اعطت فلسطين الحق في إقامة بلد مستقلة على أراضيها، سوف ترفضه اسرائيل وبقوة.

ونصل هنا الى وضع غريب حيث ترفض اسرائيل مسبقاً ما تراه تغير من جهة امريكا بعد ان وعدها چاريد كوشنر بأكثر مما تتمناه، وبعد ان اوضح الرأي العام العالمي انه لا يقبل الا بحل الدولتين وعلى اساس قرارات مجلس الامن والأمم المتحدة بان تكون دولة فلسطين في داخل حدود ٤ يونيه ١٩٦٧ وان عاصمتها القدس الشرقية وانها دولة ذات سيادة كاملة.

هذا الرفض من اسرائيل يضع ترامب في وضع حرج إذ انه على يقين برفض العالم لما تريده اسرائيل. وقد وصل الحال بأمريكا انها تدرك انها ليست بالسطوة السابقة في العالم ولا تريد ان تهز مكانتها العالمية الغير مستقره من اجل اسرائيل. وهذه مشكلة عويصة فعلاً بالنسبة لترامب الذي يعى مدي التأثير الصهيوني داخل امريكا، ويريد إرضائهم كي يفوز بالانتخابات القادمة.

وبذلك نجد ان الوضع يتغير وان في المد والجزر السياسي كل شئ يتغير في لحظة، والان تحاول امريكا إقناع اسرائيل بعدم التشبث بما تريده ولا تقدر امريكا على تنفيذه.

 

ويظهر النفوذ الصهيوني الداخلى على امريكا وانه يعمل لمصلحة اسرائيل وليس لمصلحة امريكا. وقد يكشف هذا الوضع الحقيقه المرة لغالبية المواطنين الامريكيين ، المغيبين عن الوضع الحقيقي في الداخل الامريكي ، وان امريكا فعلياً محتلة من اسرائيل.

حفظ الله العالم من الاشرار

زر الذهاب إلى الأعلى