عايدة عوض تكتب: الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على مصر

التعريف الأكثر شيوعاً للتضخم هو مقياس لسلع وخدمات معينة ومدي زيادة أسعارها في خلال مدة محددة وحيث يقل ما تشتريه العملة عما قبل. وتقاس بنسبة مئوية فالتضخم يشير الى مدى ضعف القوة الشرائية لعملة الدولة.

وهذا ما نسميه في الكلام الدارج غلاء الأسعار. فالسلعة او الخدمة التي كنا ندفع فيها ١٠٠ جنيه منذ ٦ أشهر الان ندفع فيهل ١١٠ جنيه وهذا يعني ان قيمة العملة نقصت بمقدار ١٠٪؜ او ضعفت العمله بمقدار ١٠٪؜. واحد أسباب التضخم، او زيادة الاسعار او ضعف قيمه العملة وبالتالي مقدرتها على الشراء السابقة هو عندما تطبع الدوله البنكنوت بكمية اكثر من حجم الانتاج الحقيقي وبالتالي فقيمة العملة تقل.

ولكن هذا ليس السبب الوحيد للتضخم. فهناك سبب اخر وهو الوضع الاقتصادي العالمي. وعندما يكون اقتصاد البلد معتمد على اقتصاد وعملة دوله اخري فيكون هذا الارتباط هو ما يؤثر على اقتصاد هذا البلد. وهذا ما حدث عبر عدة عقود ماضية عندما انتقلت امريكا من الدعم للدولار بالذهب الى البترول في سبعينيات القرن الماضي، واصبح يسمى بالبترودولار. وبما ان الدولار كان هو العملة العالمية الأقوى فكان العالم كله يتعامل بالدولار الامريكي وتقاس كل العملات الاخري الى الدولار وليس الذهب كما كان من قبل. ولذا فأي تأثير على الدولار يؤثر على اقتصاد العالم كله.

الصفقة التي أبرمتها امريكا مع السعودية حيث اتفقت على ان بيع البترول يكون بالدولار وان دخل السعودية من دولارات البترول يستثمر في اذون الخزانة الامريكيه، اي انه يشتري ديون امريكا. وأحد بنود هذا الاتفاق كان الحفاظ على سرّيته. ولم يفصح عنه الا في ٢٠١٦. ولكن قبل ذلك بفترة وجيزه بدأت باقي دول العالم تقلل من التعامل بالدولار في التجارة العالميه وحتي في بيع البترول وهذا كان له الاثر المحسوس على قوة الدولار العالميه.

ونصل الى الواضع الحالي للاقتصاد العالمي والذي مازال الى حد كبير يعتمد على الدولار والاقتصاد الامريكي. بالرغم من إعلانات ترامب المتكرره عن قوة هذا الاقتصاد الا ان الواقع على الارض يحكي قصة مغايرة تماماً.

ما هي الفائده وماذا يعني رفع او خفض الفائدة؟

الفائدة هي ما يدفع على الأموال المستخدمه. فعندما يضع المواطن أمواله في البنك يعطيه البنك فائدة على هذه الأموال التي يستخدمها البنك. وعندما يقترض المواطن أموالاً من البنك فيدفع المواطن للبنك فائدة على استخدامه لهذه الأموال. وسعر الفائده مرتبط الى حد كبير بمدي الانتاج ومدي التضخم. وكلما زاد التضخم فيكون الوضع الطبيعي تقليل نسبة الفائدة لتساعد في خفض الاسعار او على الأقل في الإبقاء عليها دون زيادة لفترة من الزمان وتساعد في استثمار الأموال في التجارة او الصناعه وليس في شهادات بنكية لان فائدتها اقل.

قبل ٢٠٠٨ والاقتصاد الامريكي يعاني بشكل وصل به الى أزمة قويه في ٢٠٠٨ ولم تعالج هذه الازمه معالجة جذريه بل أعطت المسكنات التي أدت الى تفاقمها، إذ ان الحكومه لم تنهي أزمة الدين الحكومي الداخلي والخارجي بأخذ الإجراءات التي تقلل من هذا الدين وتبرمج إعادة جدولته بحيث يبدأ في التقلص، بل أخذت الخطوه الأسهل ولكنها تزيد من المشكلة الاساسيه وهي انها سمحت للبنك المركزي بطبع بنكنوت اكثر ليغطي ديون البنوك والمؤسسات المصرفية التي كادت ان تفلس بعد حدوث انهيار في سوق العقارات في ٢٠٠٨. وبذلك لم تتخذ الخطوات الصحيحة نحو تقليل الدين العام بل زادت عليه بالاقتراض لتسديد فوائده. ولذا فكان الحل الوحيد لتقليل حجم التضخم الناتج من ذلك هو بخفض الفائدة لتشجيع الاستثمار في الانتاج.

وصل حد خفض الفائدة في امريكا الى ادنى مستوي ممكن ولكن تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وبالأخص الاقتصاد الأوروبي كان شديداً. فنجد ان اول من تأثر به كانت المانيا وان دويتش بانك يواجه صعوبات اقتصادية جمّة ولو انهار هذا البنك فهناك خوف من انهيار الاقتصاد الألماني وهو احد أقوى الاقتصادات في أوروبا.

ولا يساعد هذا الوضع ما قام به البنك الفدرالي (المركزي) الامريكي بخفض للفائدة في امريكا. وبالتالي نجد ان اغلب دول العالم قامت بنفس الشئ في محاولة للسيطره على التضخم الذي قد يصيب البلد من جراء اهتزاز الاقتصاد الامريكي. وفي حال المانيا قد وصل الحال الى وضع غير معقول فقد انخفضت الفائدة الى السالب اي انه الان عندما يقترض الفرد من البنك فبدل من ان يدفع فائدة للبنك على هذا القرض البنك هو الذي يدفع لمن يقترض. اوضاع معكوسة تماماً. وهذا هو الحال في ألمانيا.

ولكن نجد مثلاً ان البنك المركزي في مصر قد خفض الفائده بنسبة ١،٥٪؜ وهذا اجراء يعطي الاقتصاد مهلة من الوقت دون ظهور التضخم المؤثر. 

هل من المنتظر ان تتأثر مصر أكثر من أي اهتزاز للسوق العالمية؟ أكيد، لان اقتصاد مصر يعتمد على سعر صرف الدولار حتى الآن بالرغم من زيادة التعامل مع بعض الدول خارج هذه المنظومة وأخذ التبادل التجاري يجرى بالعملات المحلية، إلا إن أمريكا تحاول محاربة ذلك بفرض ضرائب جمركية على الكثير من السلع المستوردة لإنعاش الإنتاج المحلى والحد من الاستدانة الخارجية، وأيضا بفرض العقوبات ألاقتصاديه على عدد كبير من دول العالم. ولكن مازال التضخم في الاقتصاد الأمريكي يزداد يوم بعد يوم وهذا يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي وقد شعرنا به ألان في مصر التي تحاول الحد من تأثيره بخفض الفائدة كي لا تتفاقم الأسعار.

ماذا تفعل الشعوب الواعية بالمعنى الحقيقي لأزمة اقتصادية؟ تقوم الشعوب بعمل عدة أشياء. أول شأ هو زيادة العمل والإنتاج لان الشئ الأكثر تأثيراً في الحفاظ على الأسعار هو زيادة الإنتاج. فكلما زاد المنتج كلما استمر السعر دون زيادة. والشئ الثاني المهم هو الصرف في الضروريات والأهم هو محاولة الإبقاء على معدل الصرف الطبيعي كي لا ينكمش السوق. وطالما وعي الشعب إن هذه الأزمة هي أزمة عالمية وانه ليس المتضرر الأوحد وانه لو فكر في التمرد على الوضع بأي طريقه مثل الإضراب عن العمل أو القيام بمظاهرات فإنه يقوم بالأضرار الأكبر للاقتصاد ويزيد من حِدّة الأزمة. 

الطريقة الوحيدة لاجتياز الأزمة الاقتصادية بسلام وبأقل الأضرار هي بالوعي لمداها وبالتكافل الاجتماعي والتعاون المجتمعي من كل فئاته وبالعمل المستمر حتى تنقشع الأزمة وبمساعدة بعضه البعض. من يمكنه المساعدة. 

العالم ألان في حرب عالمية اقتصادية فعلية وخطورة هذه الحرب هي أنها يمكنها إن تنقلب إلى حرب عسكرية بمنتهى السهولة. بالرغم من انه من الواضح إن ترامي لا يريد إن يبدأ مثل هذه الحرب قبل انتخابات الرئاسة القادمة في ٢٠٢٠، ولكن لا يوجد إي ضمان لعدم اندلاعها بعد ذلك. 

ومن المؤشرات المقلقة للوضع العالمي الحالي هو ما يبدو انه بداية لسباق تسلح جديد قد بدأ بين الشرق والغرب.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى