آراء

الدكتور فتحي حسين يكتب: كورونا وأزمات الأحزاب السياسية وفيروس الجمود

لم تكن الاحزاب السياسية في احسن حالاتها قبل ظهور وباء كورونا العالمي بل كان دورها ضعيف للغاية ولم يرقي دورها المبتغي والمنتظر منها إلي المستوي المأمول في ظل تشجيع الدولة للأحزاب وللشباب من أجل المشاركة في الحياة السياسية والانتخابات وإعداد الشباب للقيادة لمواجهة تحديات المستقبل التي تحتاج لأفكار جديدة وحماس وقوة الشباب خلال الفترات المقبلة، علي الرغم من أن عدد الأحزاب السياسية لدينا تخطي أعداد الأحزاب علي المستوي العالم بشكل يثير الغرابة والتعجب والحزن في الوقت نفسه !

فعدد أحزابنا وصل إلي أكثر من ١١٠ احزاب معظمها عائلي وشخصي ، وغير موجود الا علي الورق ، بل لم تكن الاحزاب لها أي تأثير علي أرض الواقع سواء في معايشة هموم المواطنين التي تثقل بحملها الجبال ، أو مشاركتهم في اوجاعهم وافراحهم!

ولكن علي اي حال فكانت وجودها شكلي فقط علي طول الخط ، دون مضمون حقيقي يفصح عن وجودها بين الناس ودون نتائج متوقعة منه في تحريك المياه الراكدة في عالم السياسة التي أصيبت بفيروس الجمود والسكون النسبي عقب ثورة ٣٠ يونيو التي نحتفل بعيدها السابع هذه الايام ، وبعد ظهور فيروس كورونا القاتل الذي اباد ما يقارب المليون انسان حول العالم وإصابة ١٠ مليون ،ازدادت الطينة بلة وساءت أحوال مختلف الأحزاب بشكل كبير للغاية بشكل يمحو دورها من الحياة السياسية تماما ربما بسبب الاجراءات الاحترازية التي قامت بها الحكومة لحماية المواطنين من هذا الوباء العالمي الخطير ومنعت المواطنين من التجمعات والاختلاط وكان من الطبيعي أن تتوقف الأحزاب عن دورها وتشهد مقراتها حال من السكون التام والموت الزوأم !
الا ان بعض الأحزاب التي سارعت الي التعامل مع الأزمة ومحاولة تقديم مساعدات للدولة والحكومة مثل توفير اتوبيسات لنقل المطهرات وادوات التعقيم وتوفير أماكن للعزل وهذا العمل قام به حزب واحد فقط من المائة حزب المنتشر في المجتمع مثل النار في الهشيم!

ولكن هذه الأحزاب التي لا يعرف عنها المواطنين اي شيء
تتجه لشيء آخر وهو أكثر فداحة وهو خلق شعبية مصطنعة كاذبة علي حساب أموال بعض الاعضاء المنتسبين للحزب أو بعض الأشخاص الذين يعملون في الاعلام من صحفيين ومذيعيين من أجل الترويج لبضاعتهم الكاذبة ونشر اخبار عنهم هي غير صحيحة في الغالب فضلا عن عدم وجود مقرات كافية لهم واعتمادها علي أعضاؤها في تمويل ايجارات الأحزاب واثاث المقرات والتي يتم توفيرها من فلوس الاعضاء أنفسهم والأدهي من ذلك هو مطالبة الاعضاء التبرع بأموال لعمل شنط رمضان أو تقديم لحوم ووجبات وربما بطاطين في الشتاء تحت يافطة حزب ما ،وبالتالي تحولت وظيفة الحزب الحقيقية وأهدافه المتعارف عليها الي كيفية توفير بطانية أو شنطة رمضان أو مائدة طعام لبعض أهالي الدائرة الانتخابية التي يوجد بها مرشحين لهذا الحزب أو ذاك مما جعل هذا الحزب يسعي لتقديم مساعدات للفقراء حتي يحصلون علي أصواتهم الانتخابية في الماراثون الانتخابي المقبل وهو انتخابات مجلس الشيوخ ومن بعدها انتخابات مجلس النواب التي يتسابق فيها الأحزاب للحصول علي مقاعد بداخله حتي يستطيع أن يحصل علي اكبر قدر من الاستفادة الحكومية له وبعض المواطنين في الدائرة الموجود فيها هذا الحزب فقط !

وزاد فيروس كورونا- الذي لا نزال نعاني من تداعياته منذ ما يقارب ٨ اشهر حتي الآن- من الأمر سوءا ،فتدهورت الحياة السياسية بتدهور الحياة الحزبية نفسها والتي لم تقدم للمجتمع أي حلول للقضايا مثل أزمة سد النهضة الاثيوبي أو قضية ارتفاع الأسعار أو قضية البطالة أو المشروعات الصغيرة أو كيفية أعداد اجيال مستقبلية لتولي القيادة أو للانخراط في الأعمال السياسية وتولي الحقائب الوزارية أو عضوية المجالس النيابية ! أو كيفية تنمية المشاركة السياسية للمواطنين في الانتخابات….الخ

وربما العديد من أحزابنا المصرية الان تتحجج بأن كورونا هي السبب في تراجع دورها في العمل السياسي وكأنه كورونا أوقفت مسيرتهم السياسية والاقتصادية والثقافية – والتي لا تقوم بها اصلا – بل هي الشماعة التي يعلق الحزب السياسي عليها جميع اخطائه وينسب إليها كل عوامل فشله في اقامه حياة سياسية حقيقية تقدم الرأي الآخر المساند لتوجهات الحكومة والدولة المصرية ومسيرتها نحو التقدم والاستقرار الذي تشهده البلاد منذ سبع سنوات بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والتي نجح الشعب والجيش في إنهاء حكم المرشد والإخوان !
اعتقد أن أحوال الأحزاب السياسية ينبغي أن تتغير الان من خلال دمجها في حزبين فقط أو ثلاثة أسوة بأمريكا حيث يوجد حزبين ، الجمهوري والديمقراطي وفي بريطانيا يوجد حزبين أيضا حزب العمال الذي خرج منه رئيس وزراء بريطانية في حرب العراق توني بلير ، وحزب المحافظين وهما من أكبر حزبين وأكثر فعالية في الحياة السياسية،في بريطانية فلماذا لا نعيد النظر في هذا الأمر بدلا من العدد في الليمون الذي تعيشه الأحزاب السياسية في بلادنا ، فنحن لا نريد أحزاب كارتونية هشة ضعيفة ، تسعي وراء المصالح الخاصة والذاتية والسيولة ، ولا وجود لها ولا يعرفها الناس عنها شيء ولا نريد أعداد كبيرة لأحزاب علي طريقة الليمون ،انما نريد احزاب لها فعالية يشعر بها المواطن الذي يبحث عن من يحنو عليه ! ونحتاج أحزاب تكون سند للدولة في معركة الإرهاب والتنمية المجتمعية!

زر الذهاب إلى الأعلى