وائل الغبيسي يكتب : الوجه الآخر

دق جرس التليفون ، وكانت تستعد للقيلولة ، فأطار الهاتف نبرات النوم الزاحفة عليها.
– بابا مات الحقنى …. إلحقنى يا منتصر
وضعت السماعة فى كمد واغرورقت العينان بالدمع و الحلق بآهات الصدمة. حضر منتصر سريعاً من مكتبه فى الحجرة المجاورة و كان مرتدياً بيجامة كعادته عندما يقرأ.
– فيه أيه يا بشرى؟ خير يا روحى ؟ مالك؟ أيه اللى جرى؟
و بنظرة الدمع تطل من محجريها لفظتها سريعة:
– بابا مات
ربت على كتفيها و احتضنها كالطفل المغوث. إنها فى حاجة إلى غوثه الآن. طلب منها برفق أن تستعد للذهاب لتلقى النظرة الأخيرة على الجثمان .
و تلقى العزاء و هرع هو إلى حجرته يرتدى زيه الأسود. شرع كلاهما فى الإرتداء سريعاً ، و مع أنه أنهى قبلها إلا أنه خلع ملابسه ثانياً إذ هاجمته ذكرى من الماضى ….. و ما أقبحها من ذكرى!
ها قد ذهب والدها الذى طالما أرهقه قديماً… إنه لا ينسى أول مرة طرده و أسرته عندما لفظ أحد أقربائه لفظاً خشناً فى حضرته و لم يصغ لتوسلاته إلا عندما رجا والده أن يذهب إليه معتذراً و ملتمساً رضاه بل إنه تفنن فى ” تعجيز كواهله”
– إحضر شبكه ألماظ….سهرة على مستوى فى فندق خمس نجوم…. شقة ع النيل … الأجهزة عليك …كله… كله و لم يخالفه وقتها..فقد كان يحب ابنته حباً جماً.
نقرت بشرى على الباب برفق و دخلت… إنه للمفاجأة لم يرتد ملابسه بعد و كأنها لمحت تغيراً فقالت:
– انته لسه ما لبستش ، الناس هتاكل وشنا
و كأنها لم تدر ما تقول فأردفت:
– ولا انته مش ناوى تروح… ما هى عوايدك….كنت بتكرهه .. أهو مات و ريحك… انبسط بقه.
– فى دهيه…أحسن يريت كان عملها من زمان
و كأن كلاهما قد سبح فى دوامة الماضى السحيق فقالت :
– دا والدى ماسمح لكش.
فصفعها و أجلسها من قوة اللطمة
– تعال أفكرك داوود أفندى أبوكى عمل أيه.
و همت بالإنصراف تلقاء الباب فنادها و هو فى لا وعى:
– بشرى خليكى هناك……إنت طالق.