آراء

محمد الغريب يكتب.. الشعراوي الذي نعرفه ولا يعرفونه

«حراك.. استدعاء.. واستعداء» لطالما ماطل أدعياء التحرر والعلمنة البحث عن اثارته رغبة في جدلٍ يضمن لهم الاستثمار في أرباح الميتافيرس والفضاء الإليكتروني، ورغم نهم المادة والفلس الفكري يفضل هؤلاء الشرذمة أن تكون خيبتهم علانية، فلا غضاضة أن يعترفوا بها.

وفي خضم الحرب الضروس التي يشنها البعض ضد الداعية الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، كحرب اعتدنا أن نراها خاصة حينما يكون الأوراق المتلاعب بها مكشوفة للعيان، مفضوحة للعامة، ولست هنا في مجال الرد عليهم، بل رغبة في أن تكون المسألة مِنحة أو نفحة كما يراها الصوفية للتعريف بإمام الدعاة الذي لا مجال للنيل منه.

الشيخ الشعراوي الذي يراه البعض مرادفاً للتطرف تارة، ومتسبباً في الترخص أخرىٰ، ليقع بين طرفين كلاهما ينحىٰ به إلى دائرة الاتهام في الفكر والعقيدة، وهو عين التطرف والإرهاب الذي يزعمون محاربته، ولا غرو أن يكون مهاجموه بين الضألة وإن كثر أتباعهم فيما يذهبون به من مذاهب الشتات.

ولعل في مناقشتهم ضياع للوقت.. إهدار للعمر.. وخيبة للأمل، إلا أنه وبنهاية المطاف تثمر المحن عن منح و يزهق الباطل عن حق، وبهذا آمن الشيخ في خواطره التي يرادهدمها،ا حيث يقول:” الحق من الله ولا توجد نسبة تقابله. ولذلك لا يجب أن نشك ولا ندخل في جدل عقيم حول انتصار الحق”.

نعم ليس رسولاً وليس فوق النقد، إلا أننا نعي أنه لا ينقد عالم من وضيع، ولا يقارن صالح بطالح، ولا يساوى بين ملك ورعيته، فلربما توهم البعض أن من يدافعون عن الشيخ يقدسونه حد الترفع عن زلاته، إلا أنه وهم لو يعلمون عظيم، فما كان لإمام تعلمون أنه أول من حارب الكِبرُ بين جنابته، ونزل عن سيارته ليمسح أرضية حمام المسجد.

لم يتوقف الكَذَبةُ عند حديثهم في الترويج لباطل في كون الشعراوي قد سجد لنكسة سياسية ونكبة وطنية، متغافلين موقفا لرجل لم يبعد عن خالقه في وقت الانكسار والفرح فسجد سجدتين إحداهما يوم الانكسار والأخرى يوم الانتصار، ويكفيكم قوله في هذا :«لن يتسع ظنك إلى ما بيني وبين ربي».

لم يتوقفوا عند الخواطر القرآنية بمنظور الإنصاف فتبعهم من تبعهم إلى أن الشيخ كان مفسراً ولا شك أنه كان في الحقيقة موقراً للقرآن عارفاً بالهدي النبوي عنهم فقال بخواطر وحفظ للمعجزة الخالدة مكانتها كي لا يصادر أحد على فهمها عبر الزمان.

ولي وقفة مع هؤلاء هل كان الشيخ متطرفاً في خواطر لم يجادله فيها من هم على دراية منكم باللغة العربية التي لا تستطيعون أن تقفوا على كثيرٍ من معانيها؟!. يكيفه أنه كان محاوراً للافئدة على اختلاف مشاربها، فلم يتوقف العامي عن المتابعة ولم يمل الفصيح عن المُشابعة، فكان إماماً لمن خلفه من المتعلمين وحاملاً لمشاعل التفسير ببركة علم وهبه الله سبق به مشايخه بل وعلماء البلد الحرام ذاته. وللطريقة البازية التي ربما سبق الحديث عنها في مقالتي عن رحلة تصويب الفكر، أعود حيث قال في انتمائه لآل البيت:”طريقتنا هى الطريقة البازية.. ليست من اشتقاق الطرق التى تتكلم عنها إنها خاصة بالأشراف فهى نسب الأشراف.. إنها تضم الأشراف فقط، الإشراف الذين هم من نسل الحسن والحسين أى من سلالة أهل البيت”، ومع تبحري في كتاب وأفكار الشيخ يوماً بعد يوم كانت رحلتي الأولى إلى أقاصي صعيد مصر حيث حميثرة أرض الحسن الشاذلي والتي كانت رحلة المحبة كما يسميها جدي رحمه الله تعالى تبدأ بزيارة آل البيت في القاهرة ومنهم إلى رحاب أولياء الله في الصعيد.

كما أحسن الشيخ في تعريفه الصوفي والتصوف ليكون بهذا التعريف مخرساً لمن حاول الزج به في آتون المعارك السياسية خدمة لأهوائه حيث قال: “إن الصوفي هو الذي يتقرب إلى الله بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، من جنس ما فرض الله، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة، فيكون صافياً لله، والصفاء: هو كونك تصافي الله فيصافيك الله”.

ولعل في بيانه حكم اختلاف الطرق للوصول إلى الحق ما يخرس الألسنة ويبرأه من تهمة الجبر على الاتباع لكنها القلوب تحيا بمحبة الرحمن، حيث قال:”كل إنسان وصل إلى الله بطريق من الطرق، أو صيغة من الصيغ، يعتقد أن الطريق الذي سلكه إلى الله هو أقصر الطرق، ولذلك اختلف الناس؛ لأن وسائل عبادة الله متعددة، فإذا دخل إنسان من باب وطريق وأحس أنه نقله وأوصله إلى الله، بادر إلى نقله لمن يحب.. ومن هنا، فإن معنى أن هناك طرقاً صوفية هو أن أناساً وصلوا إلى الصفاء من الله سبحانه وتعالى، وجاءتهم الإشراقات والعلاقات التي تدل على ذلك في ذواتهم، فعلموا أن الطريق الذي سلكوا فيه إلى الله صحيح، وكلما زادوا في العبادة: زاد الله في العطاء”.

ختاما لهؤلاء ولغيرهم.. الشعراوي هو رجل أحبه الخلق فعرفوا أن الذي زرع محبته في قلوبنا محبوب لدى الله، ولن يقتلع أحد ما زرعه الله بيده في قلوبنا، فيكفي الإشارة إلى حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم حين قال:«إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض».

زر الذهاب إلى الأعلى