فاز بايدن فاز ترامب :ليس أمام أي إدارة أمريكية قادمة إلا أن تتعامل مع مصر. أمريكا بلد مهم والعالم كله يتابع ما يجري هناك على أنه ليس حدثا محليا .. فالجميع ينظر إلى الانتخابات الأميركية من زاويته وحسب مصالحه .. نحن يهمنا أيضا أن يكون لنا علاقات جيدة مع أمريكا .
ولو أننا اختزلنا المصلحة الأمريكية في الشرق الأوسط في نقطتين فقط فلن يبتعدا عن ضمانة أمن إسرائيل ووقف التمدد الروسي .. وهما النقطتان التي أجادت السياسة المصرية التعامل معهما بمهارة وبراعة في ولاية ترامب الأولى ..
لماذا مصر مهمة للدول صاحبة النفوذ ؟ ..
لا غنى عن مصر للأسباب التالية :
– الدولة الأكبر في المنطقة ويستحيل تجاهلها
– تملك الجيش الأقوى وهو أكبر ضمانة لاستقرار المنطقة بكاملها بما فيها إسرائيل
– حققت نجاحا باهرا في مقاومة الإرهاب والتطرف .. ألمانيا وفرنسا طلبا مساعدتها وغدا أمريكا تعلم أنها ستفعل
– دولة تحترم تعهداتها غير معتدية يمكن الوثوق بها
– موقع محوري يتوسط العالم ولديها شريان الحياة بالنسبة للتجارة العالمية ( قناة السويس )
– إرث حضاري رائع لا مثيل له في العالم أكسبها الكثير من الاحترام
– قوة ناعمة هائلة في مجالات الأدب والفنون والثقافة ومجالات التأثير عموما .. يضمن لها البقاء طويلا على عكس الدول التي تملك الثروات فقط .. وجودها مرتبط بوجود هذه الثروات التي ستنتهي حتما يوما ما ..
وهل استفدنا من هذه الميزات النسبية الهائلة ؟ ..
من أسف لم نستفد كثيرا فيما سبق وأضعنا الكثير من الفرص بالدخول في صراعات لا لزوم لها ثم دخولنا دائرة الاستقطاب نحو إحدى الدولتين الأعظم .. مرة بالانحياز إلى الاتحاد السوفيتي فروسيا فيما بعد .. ومرة إلى أمريكا .. جاء حسب توتر أو تحسن العلاقات مع كليهما فخسرنا الاثنين ..
لكن هل بإمكان مصر أن تكسب ثقة أمريكا وروسيا معا ؟ ..
تلك كانت المعضلة .. لكن يحسب للرئيس السيسي أنه استطاع ببراعة وقدرة فائقة أن يحقق المعادلة المستحيلة من غير الدخول إلي دائرة الاستقطاب مرة أخرة .. ليست مسألة هينة كما قد يظن البعض ..
ما يهم أمريكا الآن ألا تقع مصر تحت سيطرة النفوذ الروسي .. لا تريد تكرار خطأ ما حدث مع تركيا .. لذلك لن يكون أمام أي إدارة قادمة أي خيار إلا أن تتعامل مع مصر بمبدأ الشراكة والصداقة وليس الهيمنة والسيطرة كما حاول أوباما أن يفعل ..
لا يوجد إدارة أمريكية تعمل ضد مصالح أمريكا أبدا .. لكن بالطبع تختلف الرؤى والسياسات والوسائل التي تحقق هذه المصلحة .. رأيي أنهم جميعا متفقون على أن استقرار مصر في المنطقة يخدم المصلحة الأمريكية .. لكن أوباما وإدارته رأوا أن ذلك من الممكن أن يتحقق بواسطة جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما وانتشارا والأكثر قدرة على قيادة مصر والمنطقة .
وعلى اعتبار أنها تمثل الإسلام المعتدل وتحظى بالقبول الشعبي في مصر وكل المنطقة العربية ! .. وعليه دعم جماعة الإخوان سياسيا وماليا ووقف بجانبها بشكل واضح وصريح .. أما ترامب فرأى عكس ذلك .. ركز على أن استقرار مصر سيأتي من دعم النظام الحالي بقيادة الجنرال القوي عبدالفتاح السيسي ( العدو اللدود لجماعة الإخوان ) وهو الذي يحظى بدعم الجيش والإعلام ومؤسسات الدولة وكذلك بقدر كبير من الشعبية التي تؤهله لتحقيق هذا الاستقرار ..
وعليه قرر الاستمرار في دعم السيسي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وكذلك عودة المعونة الأمريكية التي كانت قد حجمت بشكل كبير في عهد أوباما .. لذلك فإن إدارة ترامب لم تهتم كثيرا بموضوع إدراج الإخوان كجماعة إرهابية محظورة وركزت جهودها فقط لدعم وتقوية نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ..
الآن سيكون من غير المنطقي توقع أن بايدن سوف يسعى إلى اتباع سياسة أوباما بدعم جماعة الإخوان لتكون هي البديل للسلطة القائمة في مصر .. السبب ببساطة شديدة أن جماعة الإخوان نفسها أصبحت خارج المعادلة تماما والرهان عليها يعد ضربا من الجنون ! ..
كل التحية لصانع القرار السياسي المصري وللدبلوماسية الرائعة التي تحقق المصلحة الوطنية بأفضل ما يكون قدر المتاح … فاز ترامب فاز بايدن لا يهم
للمزيد من مقالات حامد المحلاوي :
حامد المحلاوي يكتب : مشروع السيسي الإصلاحي والحرب على الفساد
حامد المحلاوي يكتب : مقاطعة فرنسا .. وأصول محبة الرسول
حامد المحلاوى يكتب : لماذا لم تنجح محاولات شيطنة شخص السيسي
حامد المحلاوي يكتب : دولة تسير عكس الاتجاه !
حامد المحلاوى يكتب : الجيش وانقاذ مصر من مصير مؤلم
حامد المحلاوى يكتب : 2020 .. موسم الحصاد وجني المحصول