آراء

أ.د.حنان كشك تكتب: العنف الاقتصادي ضد المرأة بين الموروث الثقافي والفهم الخاطئ للدين

يستخدم مصطلح العنف ضد المرأة بشكل عام للإشارة إلى أي أفعال عنيفة تمارس بشكل متعمد أو بشكل استثنائي تجاه النساء ، وهو يمثل انتهاكًا واضحًا وصريحًا لحقوق الإنسان، إذ يمنعها من التمتع بكامل حقوقها، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثر في المجتمع بأكمله؛ لما يترتب عليه من آثار اجتماعيّة واقتصاديّة خطيرة.

ومن الجدير بالذكر أنَّ العنف ضدّ المرأة لا يَعرف ثقافة أو ديانة أو بلدًا أو طبقة اجتماعيّة بعَينِها، فهو ظاهرة عامة موجودة في كل المجتمعات الإنسانية، بغضِّ النظر عن طبيعة وشكل ومضمون أنظمتها السياسية والاجتماعية والقانونية والدينية.

وتنتشر ظاهرة العنف ضد المرأة على نطاق واسع في جميع البلدان- سواء ذات الدخل المنخفض أو المتوسط أو المرتفع- وتظهر بعض الإحصائيات التي تنشرها هيئات دولية مختلفة وجود الظاهرة- سواء في المجتمعات المتقدمة أو في المجتمعات النامية ودول العالم الثالث- حيث تؤكد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أنه من بين كل ثلاث نساء في جميع أنحاء العالم تعرضت واحدة ( بنسبة 35%) للعنف، إما البدني، أو الجنسي، أو كليهما معًا على يد الزوج أو يد شخص آخر. لذا، فقد لقيت قضية العنف ضد المرأة اهتمامًا مكثَّفًا لم يشهده المجتمع الدولي من قبل، وذلك بعد أن تزايدت حدته وتعددت أشكاله، وأصبح يهدد أمن المرأة واستقرارها الاجتماعي والنفسي، ويمتهن آدميتها وكرامتها وإحترامها لذاتها.

ويمكن القول بأن العنف بصفة عامة يرتبط ببعض القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع، كما يرتبط بصراع الأدوار الاجتماعي المتمثل في النموذج الذكوري المتسلط الذي مازال سائدًا حتى وقتنا الراهن، والذي يطالب المرأة بالطاعة العمياء للرجل، وتنفيذ لأوامره بدون مناقشة، بينما يرتبط العنف الاقتصادي بصفة خاصة بالسيطرة القسرية للرجل؛ لأن الرجل- في الأغلب- هو الذي يتخذ القرارات المتعلقة بالأمور المادية بمفرده دون أخذ رأي زوجته في الحسبان، ولا تقف المشكلة عند العنف الاقتصادي فقط ؛ فغالبًا ما يرتبط العنف الاقتصادي بالعنف الجسدي؛ لأن التوترات الناتجة عن العنف الاقتصادي تتحول في الأغلب إلى عدوان جسدي وتتعرض المرأة للإيذاء البدني.

وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية قد أعطت للمرأة من الحقوق ما لم تمنحه شرائع أخرى- حيث جاءت الشريعة الإسلامية بقواعد أساسية تمنع وتكافح العنف ضد المرأة بصفة عامة، والعنف الاقتصادي بصفة خاصة؛ كالقواعد المتعلقة بالمواريث، والذمة المالية المستقلة للمرأة، وحق المرأة في الإحتفاظ بنتاج عملها- بغض النظر عن كونها متزوجة أو غير متزوجة- حقها في النفقة، وغيرها من الحقوق التي كفلهتا الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى إسناد القوامة للرجل؛ لكونه المسئول عن مصاريف المنزل، وتحمل الأعباء العائلية من إحتياجات الحياة اليومية- إلا أن ما أصبح متداولاً اليوم هو إنعكاس الأدوار، وإتكال بعض الرجال على زوجاتهم في توفير متطلباتهم الخاصة، وهو ما أسهم في قلب الموازين. فأصبحت المرأة هي من تٌجبر على العمل لتوفير مصاريف البيت،

وخاصة في الطبقات الاجتماعية الدنيا؛ والتي لا يجد الرجل غضاضة في أن تقوم زوجته بالإنفاق على المنزل بل وعليه هو شخصيًّا- وهو ما يعكس استغلالاً للمرأة العاملة؛ حيث يعتقد الرجل أن سيطرته على راتب زوجته من الأمور المشروعة؛ باعتبار أن خروج الزوجة للعمل يجعلها تقصر في واجباتها تجاه عائلتها، وبالتالي عليها أن تعوض هذا النقص من خلال مساعدة زوجها في نفقات المنزل، وهو بالطبع تبرير غير مقبول.

ومن المؤسف أنه لا توجد إحصائيات عن حجم العنف الاقتصادي الذي يُمارس ضد المرأة؛ فهو يتم غالبًا في إطار من التكتم والصمت؛ لكونه يمارس من أفراد تربطهم بالمعنفة علاقة من المفترض أن تتسم بالمحبة والألفة، فالمعتدي غالبًا ما يكون الزوج؛ “والذي أكدت نتائج معظم الدراسات السابقة أن أكثر أشكال العنف تكون موجه من قبل شريك الحياة”؛ الأب، أو الأخ، أو أحد الأقارب الذين يصعب التبليغ عنهم، ولذا يتم قبول الوضع والسكوت عليه .ولذا يطلق على العنف الاقتصادي ” العنف الخفي “.وهنا ينبغي التأكيد على أن لا يجوز تبرير العنف الاقتصادي على أساس القبول الفردي أو التسامح الاجتماعي من قبل المرأة؛ فحرمان المرأة من حقوقها الاقتصادية استنادًا إلى قبولها الفردي، أو أن تقاليد المجتمع وعادته تسمح بذلك لا يعد مقبولاَ ولا جائزًا اجتماعيًّا وقانونيًّا ودينيًّا؛ لأن القبول الفردي الذي يكون في غالب الأحوال مكبلاً بالظروف الثقافية لا يمنع توافر فعل العنف الاقتصادي ضد المرأة.

ويمكن القول بأن السياق الثقافي في المجتمع المصري شأنه شأن معظم المجتمعات العربية؛ فهو يحمل عوامل محرضة على العنف ضد المرأة نتيجة الفهم الخاطئ للدين والخلط بالموروثات والتقاليد، هذا فضلاً عن كون المرأة نفسها تعد أحد العوامل الرئيسة لبعض أنواع العنف والاضطهاد؛ وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرأ أكثر فأكثر. وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقدان المرأة من تلتجأ إليه، ومن يقوم بحمايتها.

وفي النهاية يجب أن تقوم الدولة بوضع التدابير اللازمة التي تكفل حماية المرأة ومكافحة العنف القائم على أساس النوعي كما يجب أن يهتم رجال الدين بتوضيح ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أنظمة اجتماعية وأخلاقية تمنع العنف الاقتصادي ضد المرأة والإساءة إليها، وتحث على إعطائها كافة حقوقها الاقتصادي.

كاتب المقال أ.د.حنان كشك أستاذ ورئيس قسم الاجتماع كلية الآداب جامعة المنيا

زر الذهاب إلى الأعلى