آراء

مهندس خالد محمود يكتب: اليورانيوم المخصب من السر إلى العلن

في قلب كل مفاعل نووي، أو قنبلة ذرية، يوجد عنصر واحد مشترك.. اليورانيوم. لكن هذا العنصر لا يُستخدم كما هو من باطن الأرض، بل يجب أولًا أن يمر بعملية معقدة تُعرف باسم التخصيب، وهي عملية تزيد من نسبة النظير النادر «يورانيوم-235» حتى يصبح صالحًا للاستخدام.

ولأن التخصيب يمكن أن يؤدي إلى إنتاج وقود للمفاعلات أو مادة لتصنيع القنابل، فقد أصبح على مدار العقود الماضية أحد أخطر الأسرار العلمية والسياسية.

ما هو التخصيب؟ ولماذا هو مهم؟

اليورانيوم الطبيعي يحتوي على 99% من نظير غير مفيد يُسمى «يورانيوم-238»، وفقط 0.7% من النظير القابل للانشطار «يورانيوم-235».

لكي يُستخدم في تشغيل مفاعل نووي، يجب رفع النسبة إلى 3% أو أكثر، أما لاستخدامه في القنابل، فالنسبة تصل إلى أكثر من 90%.

هنا يأتي دور التخصيب، وهي عملية فصل النظير النادر عن الشائع، وهي ليست سهلة، لكنها أيضًا ليست مستحيلة.

ثلاث طرق لتخصيب اليورانيوم
أولًا: الطرد المركزي (الطريقة الحديثة)

تُحوَّل مادة اليورانيوم إلى غاز، وتُدخَل في أسطوانات دوّارة تدور بسرعات خيالية. النظير الأثقل يُدفع نحو الجدار، والأخف يبقى في الداخل، وبذلك يتم الفصل.

هذه الطريقة هي الأكثر استخدامًا اليوم لأنها فعّالة وتستهلك طاقة أقل من الطرق القديمة.

ثانيًا: الانتشار الغازي (الطريقة القديمة)
تقوم على تمرير الغاز خلال أغشية دقيقة جدًا، بحيث تمر الجزيئات الأخف بسرعة أكبر. لكنها تستهلك طاقة هائلة، وكانت تُستخدم في أمريكا وفرنسا قبل التخلي عنها.

ثالثًا: الليزر (تقنية المستقبل)
تعتمد على تسليط ليزر خاص على الغاز، فيمتصه فقط النظير الذي نريده (يورانيوم-235)، فيتم فصله بدقة شديدة.

رغم أن هذه الطريقة ما زالت محدودة الاستخدام، إلا أنها تثير قلقًا عالميًا بسبب صغر حجم معداتها وسهولة إخفائها.

من بدأ السباق النووي؟
أمريكا

كانت أول دولة تخصّب اليورانيوم وتنتج القنبلة النووية في أربعينيات القرن الماضي، خلال ما عُرف بمشروع مانهاتن. استخدمت كل الطرق الممكنة حينها.

روسيا
بدأت برامجها بعد الحرب العالمية الثانية، ونجحت سريعًا في إنتاج السلاح النووي، لتبدأ مرحلة الحرب الباردة.

بريطانيا وألمانيا وهولندا
تعاونت في تأسيس شركة «يورينكو»، والتي أصبحت من كبار مورّدي الوقود النووي في العالم.

الصين و الهند و باكستان
كل واحدة من هذه الدول سلكت طريقها الخاص للتخصيب، في الغالب بسرية، وأنتجت قنابلها الأولى بعيدًا عن رقابة العالم.

إيران
بدأت برنامجها المدني في عهد الشاه، ثم طوّرته بعد الثورة. اليوم تخضع منشآتها لرقابة مشددة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تقنين جاء متأخرًا
بعد أن امتلكت بعض الدول القوة النووية، أُبرمت معاهدة عام 1968 تُعرف باسم «معاهدة منع الانتشار النووي (NPT)».

لكن الواقع أن معظم الدول النووية كانت قد قطعت شوطًا كبيرًا قبل أي تقنين، مما خلق عدم توازن عالمي مستمر حتى اليوم.

خلاصة القول
تخصيب اليورانيوم هو مزيج من العلم والسياسة، من السر والخطر، من الحاجة للطاقة والخوف من السلاح.

منشأة واحدة صغيرة قد تضيء مدينة، أو تدمرها. لهذا، يبقى تخصيب اليورانيوم من أخطر المعارف التي عرفها الإنسان، وأشدها حساسية على المستوى الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى