آراء

د. عاطف محمد كامل يكتب رؤية مصر الأفريقية الموحدة حول تغير المناخ فى مؤتمر شرم الشيخ COP27

تتبني مصر، بوصفها الرئيس المقبل للمؤتمر، لنهج شامل يراعى شواغل وأولويات مختلف الأطراف، وتطلعها إلى دعم جميع الدول الإفريقية لجهودها في هذا الصدد على نحو يسهم في نجاح استضافتها للمؤتمر. وتحت شعار” صوت أفريقى موحد”هذا هو الشعار الذى تعمل عليه القاهرة في الوقت الراهن استعداداً لاستضافة مؤتمر تغير المناخ COP 27 المزمع عقده بشرم الشيخ فى نوفمبر 2022، ويتم التنسيق الكامل مع الدول الأفريقية للعمل مع اللجنة العليا للتجهيز وللمشاركة الفاعلة خلال مؤتمر المناخ . ولقد أولت مصر اهتماما بالغا بمؤتمر تغير المناخ السادس والعشرين  (COP26) والتي استضافته بريطانيا في العاصمة الاسكتلندية جلاسكو في 1 نوفمبر 2021 ، انطلاقا من حرص مصر على مصلحة الدول الافريقية والتشديد على ضرورة رصد التمويلات اللازمة للحد من آثار المناخ الضارة في إفريقيا، ومنحها النصيب العادل من هذه التمويلات المقدّرة بنحو 100 مليار دولار، وتتطلع مصر إلى إطلاق المبادرة الإفريقية للتكيف مع تغير المناخ، والهادفة لتمكين الدول الإفريقية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ إجراءات التكيف والتخفيف من آثار المناخ في مؤتمر شرم الشيخ.

وكانت مصر وقعت في عام 2016 على اتفاقية “باريس للمناخ” ضمن 194 دولة وقعت على الاتفاق، وتنص أهم بنودها على تقاسم جميع الدول في تحمل عبء التخفيف من انبعاثات الاحتباس الحرارى وفقا للمسؤوليات التاريخية والمشتركة والمتباينة والقدرات الوطنية، حيث تلتزم بتوفير التمويل اللازم للبلدان النامية والمقدر بـ100 مليار دولار سنويا حتى عام 2020 وما بعدها مع نقل التكنولوجيا وبناء القدرات، كما يحترم الاتفاق طلب البلدان النامية ومنها الدول الإفريقية لمواصلة الجهود لرفع طموح الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية لتخفيف عبء التغيرات المناخية على القارة بأكملها، بالإضافة إلى طلب القارة السمراء لتحديد هدف عالمي للتكيف مع التغيرات المناخية واعتباره مسؤولية عالمية.

ويعمل الاتفاق على تقليل خسائر إنتاج المحاصيل، عبر تخفيض الضغط على الموارد المائية، والحد من خطر ناقلات الأمراض عبر المياه في البلاد المعرضة لمخاطر التغير المناخي، كما يلزم المجتمع الدولي بشفافية التنفيذ والتوعية بمسؤولية كل دولة على حدا للتكيف مع الوضع، وتأمين بشكل أولي الغذاء والقضاء على الفقر والجوع والبطالة.

ويأتي اهتمام مصر الشديد بهذه القضية، من ناحية لتوضيح كل ما تعاني منه القارة السمراء من مشكلات ومؤثرات مناخية قد تزيد من معاناة إفريقيا مستقبلاً، ومن ناحية أخرى لحث العالم على الاتحاد من أجل مواجهة التغيرات المناخية التي أحدثت كوارث طبيعية في الكثير من الدول، وأثرت على حياة المواطنين واحتياجاتهم اليومية بصورة أكبر، مطالبا الجميع بالعمل المشترك الجاد لمواجهة تلك الظاهرة.

وبالرغم من أن مساهمة أفريقيا تعتبر قليلة في تغير المناخ ولم تولد سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية. لكنها قد تكون المنطقة الأكثر حساسية في العالم نظرًا لارتفاع مستويات الفقر. وبدون أموال وسلع وخدمات كافية، ستزداد صعوبة تكيف من يعانون الفقر مع التغيرات المناخية التي تؤثر على الإمدادات الغذائية وسبل العيش.  فإن مصر تضع قضايا المناخ وتأثيراته على البيئة من ضمن القضايا الأولوية، خاصة وأن التأثير والتضررات تقع على الدول النامية في القارة الأفريقية، ومن هنا فإن هذه المشاركات المصرية في قمم المناخ، والنشاط الملحوظ يأتي من أجل أن توضيح الوضع الراهن ويفهم المجتمع الدولي بأصل المشكلة، والوصول إلى الهدف هو تعهد الدول الصناعية بالحفاظ على البيئة والاتفاقيات الدولية في هذا الملف، والوفاء بالالتزامات المادية التي وضعتها الاتفاقيات الخاصة بهذه القضية لمساعدة الدول النامية لمواجهة التغيرات المناخية.

ولن يقل الاهتمام المحلي عن ما يدور من نشاط على مستوى الخارج، فكانت مؤتمرات الشباب من أفضل المناسبات التي تطرح فيها القضية ومستقبلها وتأثيرها على العالم ومصر، لعرض المشاريع التى تم إنجازها داخل مصر منذ  “قمة باريس للمناخ”، ومنها مشروع لاستبدال وسائل النقل القديمة بأخرى حديثة تعمل بالغاز الطبيعي، وترشيد الطاقة وأبرزها استخدام الغاز، في الأتوبيسات وسيارات الأجرة القديمة، بدلا من البنزين ومراجعة قانون البيئة لاستحداث التغييرات المناخية، وكذلك في النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم التى عقدت بشرم الشيخ يناير الماضى، أن المستخدم من مصادر الطاقة اللازمة للكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة في حدود 5%، سيرتفع إلى 40% بحلول 2035، وأن مشروعات الطرق والعاصمة الإدارية الجديدة ومشروع الـ 1.5 مليون فدان، ومشروعات عديدة تعمل على حماية سواحل الدلتا من أثار التغييرات المناخية، وكلها في إطار حماية مصر من التغيرات المناخية.

وبخلاف المشاريع التي قد تضع مصر في مصاف الدول التي تهتم بقضايا المناخ وتخفيض تأثيرتها على العالم، فإنها اعتمدت على تدابير للتعامل مع قضية التغيرات المناخية، منها تبادل المعلومات مع كافة الهيئات الدولية للتوصل للأبعاد الحقيقية لظاهرة التغيرات المناخية وانعكاساتها البيئية.
كما أنها اتخذت تدابير أخرى منها، التعاون مع المجتمع الدولى فى الحفاظ على نوعية البيئة، والحد من مسببات التغيرات، وتفعيل برامج المساعدات الدولية المالية والفنية ونقل التكنولوجيا، ورفع الوعى العام بالظاهرة وأبعادها الاقتصادية والتعامل معها، ووضع السياسات والبرامج اللازمة للتكيف مع تغيرات المناخ فى جميع القطاعات.

وكانت مصر قد مثلت القارة الافريقية في صندوق المناخ الأخضر مع كل من تنزانيا وجنوب أفريقيا والسودان والجابون، وهو آلية التمويل التي تعتمد عليها الدول الأفريقية لتمويل مشروعات التكيف والحد من الانبعاثات في القارة. كما قامت مصر نيابة عن القارة الأفريقية في التفاعل مع قضايا المناخ حيث تولت مصر رئاسة مجموعة الـ 77 للدول النامية والصين خلال عام 2018، ومجموعة المفاوضين الأفارقة لتغير المناخ عامي 2018 و2019، ورئاسة لجنة القادة والرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ، ومؤتمر وزراء البيئة الأفارقة أعوام 2015 و2016، والمبادرتين الأفريقيتين التي أطلقهما الرئيس السيسي للتكيف والطاقة المتجددة خلال الدورة الـ 15 لمؤتمر الأطراف في باريس في 2015، وخلال قمة الأمم المتحدة للمناخ في 2019 ترأست مصر بالشراكة مع جمهورية مالاوي والمملكة المتحدة تحالف التكيف والتحمل ممثلة عن القارة الأفريقية، والرئاسة المشتركة لمجموعة أصدقاء التكيف في نيويورك.

وفى الختام فإن الأعوام القليلة الماضية، بما شهدته من ظواهر مناخية قاسية، تمثل تذكيرا واضحا بتأثر قارتنا الإفريقية البالغ بتداعيات تغير المناخ، على الرغم من كونها الأقل إسهاما في الانبعاثات الملوثة، مع استمرار ضعف تمويل المناخ الذى تستفيد منه الدول الإفريقية ومحدودية قدرتها على الحصول على التكنولوجيا الحديثة اللازمة لتعزيز قدراتها على التكيف مع التداعيات السلبية لتغير المناخ .ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله على صعيد جهود مواجهة تغير المناخ، وهو ما تسعى مصر معه إلى البناء على الزخم المتولد عن مؤتمر غلاسكو وبذل كافة الجهود الممكنة للانتقال من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض.

كاتب المقال-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية

زر الذهاب إلى الأعلى