أهم الأخبارآراء

محمد حربي يكتب: نتنياهو والحلم المستحيل في غزة


الثور الأهوج يورد كل المراهنين عليه مورد الهلاك.. هكذا هو حال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي غرق في دماء غزة .. فالرجل الذي فقد عقله، قبل توازنه، بعد ” طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الماضي، ما أن يقوم من حفرة، حتى يقع في دحديرة، وإن شئت قل، أصبح كالفأر المذعور داخل المصيدة، ليس له مخرجا من المشهد المأزوم، ولا طوق نجاة من سوء العاقبة، والمصير المظلم الذي ينتظره في ملفات شائكة مؤجلة: من فساد، ورشوة، وخيانة، وخروج عن بيت الطاعة الأميركي، مع تعريته، وكشف عوراته أمام الرأي العام العالمي.. وقد بات مستقبله السياسي ضبابيا، غامضا، بمجرد أن تضع الحرب أوزارها، وخاصة أنه قد استنفذ كل أوراقه، منذ تشكيل “حكومة الحرب”، مرورا برغبته في استبدال إسم العملية العسكرية من “السيوف الحديدية”، – التي سخر منها بعض كتاب صحيفة هآرتس العبرية ووصفها بـ “إسقاط السراويل” -، بآخر يحمل بُعدًا دينيًا عقائديًا، وصولا لإعادة رسم خريطة ديموجرافية للفلسطينيين، خالية من حماس، وكأنه يضرب رأسه في ” الحلم المستحيل “.
وفيما يبدو ليس نتنياهو وحده، الذي اختل توازنه العقلي والنفسي، بل حتى وزير دفاعه يوآف غالانت، وتحت ضغوط من حكومته المتطرفة، جرت محاولة التسويق لفكرة رهن وقف الحرب في غزة، مقابل التخلص من حركة المقاومة الإسلامية ” حماس “، واجتثاثها من قطاع غزة، والمطالبة برأس يحيي السنوار، وكأن إسرائيل لم تتعلم من دروس الماضي، حينما شاركت في العدوان الثلاثي، مع بريطانيا وفرنسا، ضد مصر عام 1956م، وتبرير ذلك بالرغبة في القضاء على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ولكنهم رجعوا من حيث أتوا، وهم يجرون ذيول الخيبة، ورغم ذلك لم تستوعب الدرس، وكررت نفس السيناريو، واغتالت الرمز الشيخ أحمد ياسين، وتلوح بتعقب مشعل، وهنية، ظننا بأنه، بموت المناضل تموت القضية، وهذا لعمري ” الحلم المستحيل”.
وهؤلاء الصهاينة، الذين يشبهون البراميل الفارغة، التي تصدر الكثير من الضجيج، ومن خلفهم الولايات المتحدة الأميركية، الداعمة لهم بكل قوة، وضعوا نصب أعينهم فكرة التخلص من حركة ” حماس “، لدرجة أن نتنياهو المتطرف، ربط بين القضاء عليها، وبين السير نحو تحقيق السلام مع الفلسطينيين، والعرب ككل، وكأنه يريد أن ينكر على أصحاب الأرض حق مقاومة المغتصب، بينما ارتضوا لأنفسهم ما كان بالأمس البعيد من قبح عصابات الهاجاناه وأخواتها، وجرائمهم الإرهابية، وما قتلوا، وسفكوا من دماء الأبرياء، منذ عام 1920م، حتى يحضرنا هنا قول أمير الشعراء أحمد شوقي ” أحرام على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس”.. أليس هذا بـالحلم المستحيل ؟ .
و نتنياهو الذي فقد ظله، ويظهر مستعرضا عضلات من أحرق سفنه في غزة.. وعلى طريقة الشيطان يعظ، يريدها حربا دينية، ويبعث برسائل التهديد والوعيد بالتخلص من المقاومة الفلسطينية في غزة، والقضاء على قياداتها في الداخل، والخارج، بينما على أرض الواقع هو مستمر في المفاوضات غير المباشرة، مما يؤكد سيطرة حركة ” حماس ” ميدانيا، وندية المواجهة، رغم التباين في العدة والعتاد الحربي، إلا أن سر التفوق يكمن في معايير القتال، بين من يملك مجرد الأسلحة المتطورة، ومزود بجسور الإمدادات العسكرية من القوى العظمى ممثلة الإمبريالية العالمية، وبين رجال حملوا رؤوسهم على أكفهم، وسلاحهم الإرادة والعزيمة، وإيمانهم في نصرة الله للحق وللصابرين، لا لأصحاب “الحلم المستحيل “.
ومهما كان من أمر الحرب الصهيونية ضد الأشقاء الفلسطينيين، التي تتخطى يومها الخامس والسبعين، فإنه لن يخفي ما فعله ” طوفان الأقصى”، باختراق الجدران الإسرائيلية، ونقل الحرب للداخل الإسرائيلي، وهدم الحاجز الأمني، وخلخلة الشعور بالأمان في نفوس الإسرائيليين، وإفقادهم الثقة في قدرة جيشهم على توفير الأمن لهم، أوحمايتهم، خاصة وهم يشاهدون استنجاد حكومة نتنياهو أميركا، لإرسال إحدى حاملات طائراتها، وعلى متنها خمسة آلاف جندى من المارينز، وإمدادات أسلحة وذخائر متطورة، حتى ظهرت إسرائيل وكأنها مجرد نمر من ورق، أنهار أمام حركة حماس، ورجال المقاومة، وهم يقتحمون المستوطنات، ويقومون بعملية آسر للعشرات، بل وإحتلال بعض المواقع لأكثر من نصف يوم، وبعد ذلك يخرج علينا من يحدثنا عن ” الحلم المستحيل”.
ولكل بداية نهاية.. فسوف تتوقف الحرب على غزة، مع تزايد وتيرة السخط الشعبي داخل إسرائيل، ومطالبة المستوطنين، بإعادة آسراهم أحياء، لا مقتولين برصاص الجيش الإسرائيلي، فضلا عن عدم قدرة إدارة بايدن، على الاستمرار في تجاهل غضب المجتمع الدولي، وتحدي الرأي العام العالمي، وقد ظهر ذلك من خلال تحذيرات وزير خارجية أميركا بلينكن لنتنياهو و”مجلس الحرب”، ناهيك عن فداحة فاتورة التكلفة العسكرية بنحو270 مليون دولار يومية، وخسائر في الاقتصاد بنحو 254 مليون دولار امريكي يوميا، مع إهتزاز صورة الإحتلال أمام العالم، وفضح دموية قادته.. فيما ستبقى المقاومة تعيد إحياء الروح للقضية الفلسطينية، من حين لآخر، حتى إقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، بعيدا عن خيال أصحاب ” الحلم المستحيل “.
صحفي وكاتب
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى