آراء

د.فتحي حسين يكتب: سيناء من نصر أكتوبر إلي ميادين العلم

منذ اثنين وخمسين عاما سالت دماء شباب هذا الوطن فوق رمال سيناء ومدن القناة، لتسترد مصر أرضها وكرامتها. واليوم، تُسقى الأرض نفسها – ولكن بمشروعات العلم والمعرفة – لتتحول مواقع الجبهة إلى مواقع للبناء والتنمية، وكأن ملحمة أكتوبر تُستكمل في صورة أخرى؛ معركة ضد الجهل والتخلف، لصالح المستقبل والوعي.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أعلنت أرقاما ضخمة: 24 مليار جنيه لمشروعات في سيناء والقناة. قد تبدو الأرقام مجرد بنود في بيان صحفي، لكن حين نُعيد قراءتها في ضوء التاريخ والواقع، ندرك أنها ليست أرقاما باردة، بل امتداد لنهر العطاء الذي لم ينقطع عن هذه البقاع الغالية.

جامعة الملك سلمان الدولية بثلاثة أفرع في شرم الشيخ والطور ورأس سدر، جامعة العريش التي تتحول إلى صرح طبي وتعليمي على مساحة خمسين فدانًا، جامعة السويس في أبورديس، أول فرع حكومي بجنوب سيناء، جامعات أهلية في شرق بورسعيد والإسماعيلية، وجامعة تكنولوجية تحمل ملامح المستقبل. كلها أسماء قد تُكتب في السجلات الرسمية، لكن الأهم أن تُكتب في ذاكرة أبناء سيناء الذين طالما دفعوا فاتورة العزلة والحرمان.

هنا، السؤال الذي لا يملك أي بيان أن يغلقه: هل ستتحول هذه الجامعات إلى قلاع حقيقية للتنمية والعدالة الاجتماعية، أم ستظل أسوارها شاهقة لا يدخلها إلا من يملك القدرة على دفع المصروفات والرسوم؟ هل ستظل برامجها الدراسية مجرد شعارات تواكب “سوق العمل”، أم ستصبح بالفعل مصانع للكوادر التي تُغير وجه سيناء، وتعيد بناء مدن القناة كعواصم إنتاجية جديدة؟

ما يلفت النظر – بحق – هو أن الجامعات الجديدة تحمل ملامح المستقبل: تكنولوجيا الصناعة والطاقة، خدمات فندقية وسياحية، تصنيع غذائي، برامج مزدوجة الشهادة مع جامعات دولية. لكن التنمية لا تُقاس فقط بعدد الكليات أو البرامج الحديثة، بل بمدى وصولها إلى أبناء الصيادين في بورسعيد، وأبناء البدو في شمال سيناء، وأبناء العمال في الإسماعيلية والسويس.

لقد انتصرنا في أكتوبر لأن “المواطن العادي” شعر أن المعركة معركته، فدافع وضحى. ولن تنتصر معركة التنمية إلا إذا شعر المواطن نفسه أن هذه الجامعات بُنيت من أجله ولأبنائه، لا لتصبح مجرد أرقام تُضاف إلى دفاتر إنجازات رسمية.

إن ما يُبشّر به هذا الارقام عن الجامعات علي ارض سيناء أنها لم تعد مجرد “أرض معارك”، بل “أرض معرفة”، وأن التنمية لم تعد شعارًا بل خطوات ملموسة. غير أن روح أكتوبر تعلمنا أن الانتصار لا يُستكمل إلا بالعدل، وأن التنمية إذا لم تصل إلى الناس، وإذا لم يشعروا بأن لهم نصيبًا فيها، فإنها ستظل منقوصة.

في ذكرى الانتصار، يبقى الأمل أن تتحول هذه الجامعات إلى جسور حقيقية بين الماضي الذي افتدته الدماء، والحاضر الذي تُبنيه العقول، والمستقبل الذي يستحق أن يُكتب بأحرف من نور، لا بأرقام في بيانات!

زر الذهاب إلى الأعلى