آراءأهم الأخبار

محمد حربي يكتب: المنطقة فوق بركان ساخن !


باتت منطقة الشرق الأوسط فوق “فوهة بركان ساخن”!. ووصلت الأمور إلى مستوى غير مسبوق، من تجاوز ” قواعد الاشتباك”- مصطلح عسكري ظهر في منتصف خمسينيات القرن العشرين وخلال الحرب الباردة -. وأن أي حسابات خاطئة، وغير مدروسة في عمليات الرد والتصعيد؛ قد تقود لمواجهة شاملة، وتُشعل حربَ إقليمية في المنطقة؛ وربما أعادت العالم لسيناريو ما كانت عليه الأوضاع قُبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى – حادث قتل ولي عهد إمبراطورية النمسا والمجر-. وكأن رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو، يريدها جحيماً، وهو يقفز من شجرة لأخرى!. ولغرض في نفس يعقوب، تتكرر المحاولات الصهيونية، لاستفزاز إيران، وجرها لمعركة، لا تختار ” طهران ” زمانها، ومكانها. ولعل حادث اغتيال الشهيد إسماعيل هنية- رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” في قلب العاصمة الإيرانية، جاء ليؤكدَ، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن الكيان الصهيوني، والحكومة اليمينية المتطرفة، تأبى إلا أن توسعَ من دائرة الصراع الدموي، وتوريط الولايات المتحدة الأميركية، وحلفاءها – مباشرة-؛ وبشكل يُمكن ” نتانياهو ” من “الهروب إلى الأمام” – حيلة يلجأ إليها الضعفاء عندما يعجزون عن مواجهة خصومهم- !.
ليست صدفة أن يخرج ” نتانياهو” عن قواعد الاشتباك مع إيران؛ ويتم اغتيال ” هنية” في مقر استضافته بمبنى قدامى المحاربين الإيرانيين بشمال ” طهران”!. فلابد من ربط خيوط الأحداث بعضها البعض، وقراءتها جيداً؛ حتى يمكن فهم وتفسير الواقع. فالعملية الإجرامية الجبانة، جاءت بعد أقل من أسبوعين على إصدار “محكمة العدل الدولية” رأيها الاستشاري التاريخي، يوم 19 من شهر يوليو الماضي؛ بشأن عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاكه لحق تقرير المصير، ووجوب إنهاء هذا الاحتلال، بعد مرور 57 عاماً، وتعويض الفلسطينيين عن كافة الأضرار التي تسبب فيها المُحتل، وتنفيذ حل الدولتين. ومع التأكيد على التزام كافة الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات، بعدم الاعتراف بالوضع الناتج عن الاحتلال الصهيوني؛ حتى أن “حزب العمال” البريطاني مارس ضغوطاً على رئيس وزرائهم ديفيد لامي؛ لحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
ولفهم أبعاد الموقف البريطاني على نفسية ” نتانياهو”؛ يلزم العودة إلى “حقيقةٌ تاريخيةٌ “، وهي مسؤولية بريطانيا المباشرة في زراعة الكيان الصهيوني الغاصب في قلب العالم العربي – كانت فكرة بدأها رجل المال اليهودي البريطاني اللورد روتشيلد، مع وزير خارجيّة بريطانيا السير بالمرستون في عام 1840-؛ وترتب عليها احتلال فلسطين ( عام 1948م.). الأمر الذي جعل خروج أصوات بريطانية تدعو لفرض حظر على مبيعات الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي، مقلقاً للصهيونية، لأنه يتجاوز مسألة صفقات التسليح، إلى خسارة ” تل أبيب ” لحليف استراتيجي أوروبي، وربما لحق به حلفاء آخرين. وتكاد الشكوك تقترب من دائرة اليقين، في أن ” نتانياهو”؛ قد صعبها على نفسه، ولم يعد من السهل عليه إعادة العالم الغربي إلى فلك الدفاع عن الكيان الصهيوني؛ بعد أن سقطت ورقة التوت، وتعرى في معركة ” طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر ( عام 2023م.)، ولم يعد بمقدوره طمس القضية الفلسطينية.
ومضت ثلاثمائة يوم تقريباً، وفشل ” نتانياهو ” في تحقيق أيٍ من أهدافه في الحرب على غزة؛ اللهم سوى جرائم الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين، وسقوط نحو 40 ألف شهيد، و88 ألف جريح، معظمهم من الأطفال، والنساء والشيوخ، بخلاف المفقودين، وتدمير كل مقومات الحياة، والإفساد في الأرض!. وكشف الاحتلال الصهيوني عن وجهه الدموي الكريه، وسقط عنه قناع المظلومية التاريخية؛ الذي ظل يخدع به العالم، كضحية للمحرقة النازية، وأداة للابتزاز!. واليوم، أصبح الكيان الإسرائيلي سيء السمعة، ملاحقاً وقياداته من المحاكم الدولية. ومنبوذاً من الضمير العالمي، ومنفراً، ومُسخوطاً عليه، عند طلاب الجامعات الأميركية والغربية. وحتى إدارة البيت الأبيض في واشنطن، ضاقت ذرعاً بالعزف المنفرد للحكومة الإسرائيلية، بعيداً عن الضبط الأميركي لإيقاع سيمفونية ملف الشرق الأوسط، في مواجهة الروس والصين.
وأمام مأزق أزمات الداخل الإسرائيلي، من منافسات سياسية، وخلافات واختلافات في وجهات النظر، والرؤى العسكرية، والصراعات والمزايدات، والمكايد الحزبية؛ التي يشتد ويحمىّ وطيسها قبل الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة. وبجانب ذلك حالة الغضب الشعبي، ومظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين المختطفين في غزة؛ المطالبين بعودة أسراهم. فضلاً عن القضايا العالقة؛ والتي لم تغلق ملفاتها في المحاكم حتى الآن. ومن أجل كل ذلك، فقد اختار ” نتانياهو ” الهروب إلى الأمام، للتخلص من كافة المشكلات التي تواجهه داخليا ودولياً. وسعى لفتح جبهة صراع جديدة مع إيران؛ والتي لطالما سعى لها، منذ (عام2015م.)؛ عندما ذهب لإلقاء خطاب أمام الكونجرس الأميركي، بمجلسيه؛ وهاجم فيه إيران، وحرض على نسف المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني، ومنع التوصل إلى اتفاق نهائي بين مجموعة ( 5+1 ) مع طهران.
وبالأمس القريب، يوم 24 من شهر يوليو الماضي، تكرر نفس السيناريو، ووقف ” نتانياهو” أمام الكونجرس الأميركي؛ ليتهم إيران بأنها تشكل خطراً، وتهديداً لأمن إسرائيل، والمصالح الأميركية؛ بل ومزعزعة لاستقرار المنطقة. وفي هذا السياق يمكن قراءة قرار الكيان الصهيوني، لتنفيذ عملية اغتيال الشهيد ” هنية ” في “طهران ” بالتحديد!. مع أن ” أبوالعبد” كان متاحاً أمام الموساد؛ عندما كان في زيارة إلى تركيا، منذ وقت ليس ببعيد. فضلاً عن أن الشهيد ” هنية” ليس هو العقل المدبر الوحيد، أو المنفرد باتخاذ القرار، وإدارة الأحداث العسكرية بميدان المعركة في غزة؛ حتى يتحقق بغيابه النصر المفقود؛ الذي يبحث عنه ” نتانياهو! . وأغلب الظن، أن ” نتانياهو “؛ قد أراد من هذه العملية، ضرب عصفورين بحجر واحد!، فمن ناحية، يستعرض عضلاته أمام اليمينيين المتطرفين، و ذرَّ للرَّمادَ في العيون، لوقف التفاعل العالمي مع الرأي الاستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية. وأما الآخر فهو ” إحراج للرئيس الإيراني الجديد ” بزشكيان” أمام الشعب الإيراني؛ الذي قد يثور طلباً للانتقام، ويدفع ” طهران ” نحو الصدام العسكري؛ فتتدخل تتدخل أميركا ومعها الحلفاء. ويحقق ” نتانياهو” ما كان يريده من الوصول للمفاعل الإيراني؛ فيدمره تدميراً. وتبقى المنطقة فوق فوهة بركان ساخن!.
كاتب وصحفي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى