آراء

د.فتحي حسين يكتب: زلابية وكنفاني السيدة

وسط زحام رمضان في السيدة زينب، حيث تختلط روائح الكنافة الساخنة بنسائم التوابل القادمة من محلات العطارة، كنت أتجول بلا هدف محدد، كعادتي في هذا الشهر. مشهد الفوانيس المعلقة فوق رؤوس الناس، والصخب الذي لا ينقطع، كانا كافيين لإشعاري بأنني داخل فيلم سينمائي قديم، حيث القاهرة لا تنام، والوجوه تحمل ألف حكاية.

رأيتها هناك، بجانب كنفاني الطاهرة، جالسة على الأرض، عيناها تتبعان الداخل والخارج بنظرة أقرب إلى الاحتياج، لكن ليست أي حاجة… كانت نظرات شخص اعتاد التمثيل، حتى نسي الحقيقة. ملابسها الممزقة المتسخة لم تكن كافية لإقناعي بأنها واحدة من هؤلاء الذين يجلسون أمام المساجد، لكنها لعبت الدور بإتقان.

زلابية… لم يكن هذا اسمها الحقيقي. هند، كما عرّفت نفسها لي منذ سنوات عبر الواتساب، كانت فتاة ذات حديث ساحر، وادعاءات لا تنتهي. خمس سنوات من المكالمات، الرسائل الطويلة، والوعود بلقاء لم يحدث أبدًا. كانت تدّعي أنها نافذة في الدولة، تختار من يصبح وزيرًا ومن يُقصى من المشهد. كنت أعلم أنها تكذب، لكن ثقتها كانت تجعلني أشك ولو للحظة… ماذا لو كان كل هذا حقيقيًا؟

اليوم، أمام الكنفاني، كنت أقف على بعد خطوات منها، أراقب بصمت. كانت تمسك بزجاجة مياه معدنية فارغة، وفي يدها الأخرى أوراق مطوية، ربما كانت تطلب المساعدة أو تدعي أنها بحاجة إلى المال لتعود إلى منزلها في مصر الجديدة. مصر الجديدة؟ أي مفارقة هذه؟ فتاة تدّعي السلطة والنفوذ، لكنها في النهاية تجلس هنا، بنفس الطريقة التي حذرتني منها عشرات المرات.

رأيت بجوارها طفلة صغيرة بضفائر مشدودة، تمد يدها للمارة، بعينين خاويتين من أي تعبير. لم تكن تبدو كابنتها، بل كجزء من المشهد، كما لو كانت مؤجّرة لهذا الدور.

لم أعرف ما الذي دفعني للابتعاد دون أن أكشف لها أنني رأيتها. ربما لأنني لم أكن أملك فكة، أو لأنني أدركت أن هناك فرقًا بين أن تسمع قصة… وأن تراها بعينيك!

زر الذهاب إلى الأعلى