محمد الغريب يكتب..الولي الصالح في رواية أحدهم وتنظيم النسل
تعددت الدعوات والهدف واحد، فما بين هاشتاجات تطلقها بعض المؤسسات في الوقت الراهن لتواكب حركة الدولة ودعواتها لتنظيم النسل دفعاً لحل أزمة الانفجار السكاني الذي دفع بالمسؤولين لإطلاق دعوة صريحة لحل فعال يحد من تلك الأعداد التي تفوق الموارد الذاتية والقدرة الاقتصادية للبلاد ما ينعكس سلباً على مردود مشروعات التنمية وإحساس المواطن بها، خصصت خطبة في هذا الشأن لبيان موقف الدين من تلك المسألة.
خطبة ربما لم تكن موفقة في إعدادها واستدلالتها فخرجت بصورة سلبية أكثر منها إيجابية، فالرغبة في بيان وجهة نظر ملتوية من خلال نصوص مقدسة لا تقبل بالأهواء استدل بقول المولى عز وجل:” إنما أموالكم وأولادكم فتنة”، فالآية تحذيرية الدلالة وليست منعية وإلا فهل يمتنع عن جمع الأموال مثلما يحث الناس على منع الإنجاب؟!.. ألم ترد في آيات القرآن ما يعرف المال والأولاد بأنها زينة الدنيا ومتاعها فقال تعالى: “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا”.
وبينما هو مستفيض في تحديد النسل دون تنظيمه وبينهما بون شاسع فالأول محرم بإجماع أهل العلم، بينما الآخر ففيه مذهب قال:”فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا”، إن نبي الله زكريا لم يقل عند طلبه “أولياء” بالجمع، وإنما طلب وليًّا، كما أن مريم عليها السلام بشرت بعيسى، والمصطفى صلى الله عليه وسلم قد ولد وحيداً، وهي أمور مدعاة للدهشة والاستغراب فكيف لمن درس في أروقة الأزهر الشريف أن يستعصي عليه فهم طبيعة كل حالة من الحالات السابقة وهي أمور يعلمها الجهلاء فضلاً عن أهل العلم، فزكريا دعا ربه طمعاً في عظمته وقدرته أن يُمن عليه وعلى زوجه العقيم بعد بلوغ العمر منه فقال:” رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا”، فالنبي لم يكن إلا بشراً يخشى أن ينتقل ماله إلى أهله وذويه فروي عن ابن عباس، قوله: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي) يعني بالموالي: الكلالة الأولياء أن يرثوه، فوهب الله له يحيى، أما عن عيسى بن مريم فمعجزة لها وجهتها ولا دلالة فيها على تنظيم النسل أو تحديده فمريم لم تكن متزوجة في الأصل وإنجابها لصغير قدرة إلهية لا ينبغي إقحامها بهذا الشكل، كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن لينعم بحضن أبويه فماتا وهو ولم يتجاوز سنواته الأربع الأول، فكيف لك أن تجعل الأمر على أنه تنظيم للنسل؟!، وماذا عن تعدد الإنجاب في حياة الرسل ألم يكن لنبي الله يعقوب أسباطاً وصفهم يوسف في قوله:” يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، كما أن آدم وحواء تجاوزا في إنجابهما أربعين ولداً، ثم نسألك وأنت من أثرت وحدة المقام النبوي بأن النبي ولد وحيداً لأبوية، فماذا عن أبنائه صلى الله عليه وسلم من ذكور وإناث؟!
أما عن القول في نعمة “العُقم” فهي مردودة هي الأخرى فليس سياق الآية تعداد للنعم بل هو إبراز للحكمة فقد صُدرت الآيات واختتمت ببيان قدرة الله وعلمه، فقال تعالى: “لله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”، فقد روى أبو داود عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها، قال: لا. ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم”، وروي أيضاً:”خير نسائكم الودود، الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات، المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم”.
ربما كان الأوجب على المسؤولين عن تلكم الخطبة أن يبادروا إلى نصوص أكثر وضوحاً في الأمر لعل منها حض النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة على العزل فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبايا العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا الغربة وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل فسألناه عن ذلك، فقال: وما عليكم ألا تفعلوا؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة”، وعن جابر أنه قال:” كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل” .