آراء

د.فتحي حسين يكتب: البلطجة الأمريكية وترامب والموقف العربي

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، بدا واضحا أن الولايات المتحدة تلعب دورا محوريا ليس فقط في دعم الاحتلال الإسرائيلي عسكريا وسياسيا، بل أيضا في الدفع نحو سيناريوهات كارثية مثل تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما يمثل إعادة لإنتاج نكبة 1948 ولكن بحلة جديدة أكثر وقاحة وفرضا للأمر الواقع.

فمنذ بداية الحرب، قدمت واشنطن غطاءً سياسيًا وعسكريا غير محدود لإسرائيل، مما سمح لها بتنفيذ عمليات تدميرية غير مسبوقة في غزة. وبينما تدّعي إسرائيل أن هدفها القضاء على “حماس”، فإن حقيقة الأمر تكشف عن خطة واضحة لخلق بيئة مستحيلة للعيش، تدفع السكان قسرا نحو التهجير، إما إلى جنوب القطاع على حدود مصر، أو إلى الخارج بشكل كامل.

التسريبات الإعلامية والتصريحات الإسرائيلية لم تخفِ نوايا الاحتلال، حيث جرت مناقشات بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حول إمكانية نقل سكان غزة إلى سيناء. هذه الخطط ووجهت برفض مصري قاطع، لكن الضغوط ما زالت مستمرة عبر تصعيد العمليات العسكرية وإغلاق أي أفق للحل السياسي.

ورغم الحديث عن انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة منذ 2005، فإن الأحداث الأخيرة تثبت أن إسرائيل، بدعم أمريكي، تعيد احتلال القطاع تحت مبررات أمنية.

كما أن الحديث عن “منطقة عازلة” بعمق عدة كيلومترات داخل القطاع، والسيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ليس سوى خطوات لإحكام القبضة الإسرائيلية على غزة ومنع أي محاولة لإعادة إعمارها أو تحقيق أي استقلال سياسي مستقبلي للفلسطينيين هناك.

ومن جانب آخر فإن السياسة الأمريكية لا تكتفي فقط بدعم إسرائيل في تهجير الفلسطينيين، بل تتجاوز ذلك إلى تهديد الأمن القومي لدول المنطقة، خاصة مصر والأردن ،

ففي مصر ، فالضغط المستمر على القاهرة لفتح حدودها أمام النازحين الفلسطينيين، رغم إدراك الجميع أن هذا قد يؤدي إلى تفريغ القطاع من سكانه وخلق أزمة أمنية داخل سيناء. الرفض المصري لهذا السيناريو قابله تحركات أمريكية للضغط عبر أدوات دبلوماسية واقتصادية، في محاولة لإجبار مصر على التماشي مع المخطط الإسرائيلي.

وفي الأردن، كدولة تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، تدرك عمان أن أي تهجير جديد قد يقلب التوازن السكاني والسياسي داخل المملكة.

كما أن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، المدعوم أمريكيا، يهدد بشكل مباشر استقرار الأردن، خاصة مع حديث بعض الأصوات الإسرائيلية عن فكرة “الوطن البديل”للفلسطينيين هناك.

بينما تدّعي واشنطن دعم حقوق الإنسان والديمقراطية، فإنها تواصل دعم الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل، متجاهلة كل الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين الفلسطينيين. في الوقت الذي تحشد فيه الدول الغربية لإدانة أي عمليات تهجير قسري حول العالم، نجد أن الإدارة الأمريكية تقدم غطاء دبلوماسيا وإعلاميا لإسرائيل بينما تمارس الضغوط على الدول العربية لقبول مخططات لا تصب إلا في مصلحة الاحتلال.واعتقد أن السيناريوهات المستقبلية مع استمرار هذه السياسات غير مبشرة ، و يبقى السؤال: كيف ستواجه الدول العربية هذا المخطط؟ حتى الآن، الموقف المصري والأردني واضح في رفض التهجير، لكن الضغوط الأمريكية قد تزداد خلال الفترة القادمة. المطلوب هو موقف عربي موحد، مدعوم بتحركات دبلوماسية فعالة، وفتح قنوات ضغط عبر الشركاء الدوليين، خصوصا في ظل تصاعد الغضب الشعبي العالمي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في غزة.

وما تمارسه الولايات المتحدة في ملف غزة ليس مجرد دعم سياسي لإسرائيل، بل هو بلطجة دولية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية، ولو على حساب ملايين البشر. التهجير، الاحتلال، والتهديدات للدول العربية ليست مجرد تكهنات، بل خطط يتم العمل عليها، والمطلوب اليوم هو موقف حاسم من الدول العربية والمجتمع الدولي لوقف هذه المخططات قبل أن تصبح أمرا واقعا.!

زر الذهاب إلى الأعلى