دين و دنيا

د. حسنى ابوحبيب يكتب : أفضل أيام الدنيا

قالى تعالى “هل في ذلك قسم لذي حجر” (الفجر: 5).جاء هذا الاستفهام التقريري ليؤكد على عظمة ما أقسم الله تعالى به من تلك الليالي العشر ، لذا أقسم الله تعالى بها جملة بعد أن أقسم بفجر أول يوم منها ، ثم أقسم بشفعها ووترها ، ثم بسريان ليلها ، ثم أردف ذلك بتقرير كل سامع لهذا القسم على أنه قسم لا يعقله ولا يعرف عظمته ومكانته إلا ذوو العقول والأحلام.

والمتأمل كتاب ربه يجد أنه ملئ بأشياء أقسم الله تعالى بها ، مشتملة على دلائل توحيده وآيات عظمته ، وهي حقيقة بأن يُقسم الله بها لعظمتها ، من هذه الأشياء ما دلّ على مكانة مكان ومنها ما أشار إلى عظم زمان ومنها ما نوّه إلى شرف حرف ومنها ما أبان عن عظمة إنسان ، ومنها ما أظهر نعمة ….وهكذا !.

فمما دلّ على مكانة مكان ، قسمه تعالى بسمائه وأرضه ، وببلده الحرام وبطوره إلى غير ذلك.وأما ما أشار إلى عظم زمان ، فقسمه تعالى بفجره وشمسه وضحاه وعصره وليله ونهاره وشفعه ووتره ونجمه … وهكذا.

كما أقسم الله تعالى ببعض الحروف التي شرفها ، إذ جعلها مباني كتابه ومبادئ أسمائه ، وهي الحروف المقطعة التي افتتح بها بعض سور كتابه.

اما ما أبان عن شرف إنسان ، فإنه تعالى ما أقسم بأحد من عباده إلا بسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأقسم بعمره ، فقال: “لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون”.

وعوداً لما نكتب حتى لا نبتعد عنه ، نقول: إنما استمدت تلك العشر فضلها ومكانتها لوقوعها في شهر هو من أفضل شهور العام ، وهو أحرم الأشهر الحرم ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “ما من الشهور أعظم حرمة من ذي الحجة” ، إذ فيها أيام العج والثج ، والنحر والقر ، وفيها تجتمع كل العبادات وتقع جميع الطاعات ، من تهليل وتحميد وتكبير وذكر وصلاة وصيام وزكاة وحج ، إلى غير ذلك من البر والصلة والتعاطف والتراحم والتسامح.

أضف إلى ذلك إن الله تعالى جعلها مظلة رحمة للمؤمنين كافة ، سواءً من وُفق منهم للحج ، أو حالت بينهما الحوائل ، فكما أن الله تعالى وعد صاحب الحج المبرور بالجنة ومغفرة الذنوب ، كذلك وعد كل من رجع إليه فيها فأحياها بالذكر والطاعة والصلاة والصيام بقبول التوبة ومغفرة الذنب وتكفير السيئات ، بل وعد بذلك كل من صام يوماً واحداً منها وهو يوم عرفة ، قال صلى الله عليه وسلم: “صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، الماضية والمستقبلية” (سنن النسائي).

وما ظنك بأيام ضمت بين جنباتها يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر ، وهي الليالي التي أتم الله تعالى بها الأربعين ليلة لسيدنا موسى عليه السلام ، “ﻋﻦ ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﺴﻨﺔ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ ﻣﻦ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ، ﻭﻫﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻟﺘﻲ ﺃﺗﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻤﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ” ، والدعاء فيها لا يرد ، وهي الأيام المعلومات التي استودعها الله منافع عباده ، وشرع الله تعالى فيها ذكره ، “ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات” (الحج: 28) ، وهي الأيام التي أعقبها الله الأيام المعدودات والتي شرع الذكر فيها أيضاً لعباده ، “واذكرو الله في أيام معدودات” (البقرة: 203).

لذا يستحب للمسلم فيها سواء كان حاجّاً أو غير حاج أن يكثر من التكبير والتهليل ، لذا كان أكابر الصحابة يخرجون إلى أماكن اجتماع الناس فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم ، روى البخاري أن اﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﻭﺃﺑا ﻫﺮﻳﺮﺓ كانا ﻳﺨﺮﺟﺎﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﺴﻮﻕ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﻌﺸﺮ ﻳﻜﺒﺮاﻥ ، ﻭﻳﻜﺒﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺘﻜﺒﻴﺮﻫﻤﺎ.

فهذه الأيام لا شك أنها أفضل أيام الدنيا ، لذا وردت في فضلها أحاديث كثيرة ، نكتفي بذكر حديثين منها:

ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ: “ﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻓﻀﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻋﺸﺮ ﺫﻱ اﻟﺤﺠﺔ ، ﻭﻻ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻟﻴﺎﻟﻴﻬﻦ. ﻗﻴﻞ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ: ﻫﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻋﺪﺗﻬﻦ ﺟﻬﺎﺩاً ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ؟. ﻗﺎﻝ: ﻫﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻋﺪﺗﻬﻦ ﺟﻬﺎﺩاً ﻓﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ، ﺇﻻ ﻣﻦ ﻋﻔﺮ ﻭﺟﻬﻪ ﺗﻌﻔﻴﺮاً ، ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ”.قال ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﺃﻓﻀﻞ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻳﺎﻡ اﻟﻌﺸﺮ”. ﻗﺎﻟﻮا: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﻻ ﻣﺜﻠﻬﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻭﻻ ﻣﺜﻠﻬﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ، ﺇﻻ ﻣﻦ ﻋﻔﺮ ﻭﺟﻬﻪ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺏ”.

فيا أحبتي في الله أكثروا من الدعاء والذكر والتكبير في هذه الأيام المباركة ، عسى الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعلنا ممن ينالون أجر الحجيج بمنه وفضله.فالله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

زر الذهاب إلى الأعلى