اللواء محمد بيومي يكتب: خريطة تنموية..ولكن!
توقف حديثنا السابق عند مؤشرات الركود الاقتصادي التي تهدد استقرار التركيبة البنائية للمجتمع؛ ما يمثل بدوره زعزعة للأمن القومي للدولة التي تواجه خطر السقوط في فخ التضخم؛ الناتج عن ارتكاز رءوس الأموال في براثن الشركات القابضة؛ دون الإسراع في ضخ الأموال وتدفقها السريع في الخطوط الإنتاجية والخدمية لمختلف الصناعات؛ كي يستفيد منها المواطن مباشرة.
وأتحدث اليوم عن رصيد آخر مواز للثروة الاقتصادية؛ ألا وهو الاستثمار في إدارة رأس المال البشري بشقيه الاجتماعي والإنساني، والذي كونته الدولة وأجهزتها الرقابية والتنفيذية عبر أنشطة مسئولياتها المجتمعية؛ ما يمثل رصيدًا تأمينًا وقائيًا أثناء الأزمات المالية التي قد تواجه الاستثمار والاقتصاد العالمي، وهو الرصيد المالي والإنساني المتمثل في ارتفاع قيمة الأسهم المالية للشركة المسئولة اجتماعيًا، ورغبة العملاء وجماعات المصالح الداخلية والخارجية في استمرارية دعم الشركة والثقة فيها؛ ومن ثم نمو مبيعات الشركة وزيادة إنتاجية موظفيها الحريصين بدورهم علي مكافأة الدولة علي دعمها لهم وعدم التخلي عنهم وقت الأزمة.
لقد ذكرت وأكرر أن بعض الشركات الكبرى تنظر بشكل تشاؤمي إلى الصورة الضبابية للاقتصاد، وتخشى دومًا مواجهة غيوم هذه الصورة المشوهة، فتلجأ نحو الاحتفاظ بالأموال الجاري استثمارها؛ وذلك في صورة أوعية إدخارية بعديد البنوك؛ كي تستفيد من فروق الأسعار؛ الناتج عن تباين سعر الصرف؛ لاسيما مع تنامي الشائعات المتكررة حول ارتفاع سعر العملة.
لذا يقتضي الأمر عند تصميم استراتيجية التنمية وخطط التسويق التجاري للمنتجات في إطار الاقتصاد التنموي للدولة أن يتم مراعاة عديد العوامل والمتغيرات ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية أيضًا؛ كمستوى الديموقراطية والسماح لكبار رجال الأعمال والمستثمرين بالمشاركة الجماعية في صناعة القرار، ومستوى التعاون والعمل الجماعي بينهم لكفالة إبرام بروتوكولات التعاون ومذكرات التفاهيم المشتركة حول المشروعات الاستثمارية الضخمة التي تحتاجها الدولة بشكل ملح.
ولا يمكن تجاهل مستوى التفاعل الاتصالي، ومستوى الثقة في الجهات الخارجية والتشريعات القانونية المنظمة للمعاملات التجارية، ومدى وفرة اللوائح الداخلية المنظمة لإبرام الصفقات الضخمة؛ تلك الصفقات التي تتوقف على بعض المتغيرات كمستوى حجم الشركات، ومدى اتساع مساحة الرقعة الإنتاجية المملوكة؛ من أرصدة مالية، وبنى تحتية، وموارد بشرية..الخ.
وبعبارة أخرى يمكن عرض هذه الرؤية التنموية في نموذج ثلاثي الأضلاع ؛ يقوم الأول على شبكة العلاقات الفعالة مع جماعات المصالح الداخلية والخارجية، والهادفة إلي بلوغ الرفاهية والتنمية المجتمعية المستدامة، ويأتي الثاني متمثلًا في الالتزام الأخلاقي؛ كسمة مميزة للأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها جماعات المصالح واستخدامهم الرشيد لموارد الدولة مع تقديم كافة الضمانات اللازمة لذلك، بينما يتمثل الضلع الثالث في الامتثال للقوانين والتشريعات التي تسنها الدولة، والاتساق التام مع القيم والمعايير المجتمعية.