آراء

شعبان شحاته رئيس القلم الشرعي بالعدوة يكتب : مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل

قال عمر في رسالته لإبي موسى ” لا يمنعن قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسـك وهديت فيه لرشدك ، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”وروى عن عمر أنه قضى في المشركة بإسقاط الأخوة من الأبويت ثم شرك بينهم بعـد ذلك ، فسئل فقال : ” تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم”

وقد ذكر ابن القيم في التعليق على ذلك فقال: ” فـأخذ أمـير المؤمنيـن فـي كـلام الاجتهادين بما ظهر له أنه الحق ، ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثـاني ، ولـم ينقض الأول بالثاني فجرى أئمة الإسلام بعده عي هذين الأصلين”

ويذكر أيضا ابن القيم في شرح کلام عمر: (يريد أنك إذا اجتهدت فــــى حكومــة ثـم وقعت لك مرة أخرى، فلا يمعنك الاجتهاد الأول من أعادته، فإن الاجتهاد قد يتغير، ولا يكـون الاجتهاد الأول مانعا من العمل بالثاني، إذا ظهر أنه الحق ، فإن الحق أولى بالإيثار لأنه قديـــم سابق على الباطل ، فإن كان الاجتهاد الأولى قد سبق الثاني والثاني على الباطل، فـإن كـان
الاجتهاد الأول، لأنه قديم سبق على ما سواه ، ولا يبطله وقوع الاجتهاد الأول على خلافه بـل الرجوع إليه أولى من التمادي على الاجتهاد الأول)

ويشترط في الحكم:1-عدم مخالفة الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس الجلي.٢-أن تتقدمه دعوى 3-أن يكون بصيغة تدل على الإلزام وفي قوله ” تثبت عندى”.4-أن يكون واضحا أي غير مبهم فيلم الحكم والمحكوم له.5-أن يكون بحضرة الخصوم. 6-ذكر السبب.٧-سبق الإعذار وهذا شرط المالكية.

وروى أن على بن طالب رضي الله عنه قال (لما بعثني رسول الله صلى الله عليـه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد فوقع فيها الأسد وازدحم الناس على الزبية فوقع فيـها رجل وتعلق بأخر وتعلق الأخر بأخر حتى صاروا أربعة فجرحم الأسد فيها فـهلكوا وحمـل القوم السلاح وكان يكون بينهم قتال، قال : فأتيتهم فقلت : اتقتلون مائتي رجل من اجل أربعـة اناس: تعالوا أقضى بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم، وأن ابيتم رفعتم ذلـك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحق بالقضاء. فجعل للأول ربع الدية وجعل للثاني ثلــث الدية وجعل للثالث نصف الدية وجعل للرابع الدية وجعل الديات على من حفر الزبيـة علـى قبائل الأربع فسخط بعضهم ورضى بعضهم ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسـلم فقصوا عليه القصة، فقال ” انا أقضى بينكم فقال قائل : إن عليا قد قضى بيننا. فـأخبروه بمـا قضى على ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” القضاء وكما قضى على وفـي روايـة :فامضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء على

وأخرج الإمام مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال عليه السلام : بينما امرأتنـان معهما ابناهما جاءه الذئب فذهب بابن احداهما ، فقالت هذه لصاحبتها . إنما ذهب بابنك أنـت
وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك انت، فتحاكما إلى نبي الله داود فقضى به للكـرى فخرجتـا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه ، فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكمـا ، فقـالت
الصغرى لا يرحمك الله هو أبنها فقضى به للصغرى، وهذا على بن أبي طالب كرم الله وجهـه ينقض حكم للقاضي شريح ” فان شابا شكا اليه نفرا خرجوا مع ابيه في سفر فعادوا ولـم يعـد أبوه فسألهم عنه فقالوا له انه مات فسألهم عن ماله ، فقالوا له ما ترك شيئا وكان معـه مـال كثير، فلما ترافعوا إلى القاضی شریح استحلفهم وخلى سبيلهم. وهنا دعا على كرم الله وجـه بالشرطي ، فوكل بكل رجل رجلين وأوصاهما ألا يمكنوا بعضهم يدنو من بعض ولا يمكنـوا احدا يكلمهم ودعا كاتبه ثم دعا احد المتهمين فقال له : أخبرني عن ابي هـذا الفتـى أي يـوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلت ؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي عمله مات؟ وكيف أصيب مالـه؟ ثم سأله عمن غسله ودفنه ومن تولى الصلاة عليه وأين دفن ونحو ذلك من الاسئلة . وكـان الكاتب يكتب أقواله فكبر على وكبر الحاضرون، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنـوا أنصاحبهم قد أقر عليهم. ثم استدعى الآخر كذلك حتى ما عند الجميع فوجد الجميع يخبر بضـد ما أخبر به صاحبه. ثم أمر برد الأول فقال : يا عدوا الله ، قد عرفت عنادك وكذلـك بمـا سمعت من اصحابك وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق . ثم أمر به إلى السجن ، وكبر وكـبر معه الحاضرون. فلما أبصر القوم الحال لم يشكوا أن صاحبهم أقر عليهم. فدعا أخـر فـهدده فقال : يا أمير المؤمنين والله لقد كنت كارها لما صنعوا. ثم دعـا الجميـع فـأقروا بالقصـة.واستدعى الذي في السجن وقيل له: قد أقر أصحابك و لا ينجيك سوى الصدق فأقر بكـل مـا أقر به القوم: فأغرمهم بالمال وأقاد (أقام الحد على أحدهم قصاص) من بالقتيل.

وكتب سليمان إلى أبي الدرداء بلغني أنك جلعت طبيبا تداوى ، فإن كنت تبرئ فنعمـا لك وأن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسان فتدخل النار. فكان أبو الدرداء أذا قضى بين اثنيـن
ثم أدبر عنه نظر اليها فقال : ارجعا إلى أعيدا على فقتلكما متطبب والله.وقال أبو قلابه مثل القاضي العالم كالسباح في البحر فكـم أن يسـبـح حـتـى يغرق وروى عن عمر بن الخطاب قال : وددت أن أنجو من هذا الأمر كفافا لا لـي ولا على والإمام الثوري رحمه الله كان يرى أن الحكم ينقض في حالتين.الأولى: إذا قضى القاضي بما يخالف كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو ما أجمعت عليه الأمة لأن قضاءه رقع باطلا قال الثوري رحمـه الله تعـالى : إذا قضـى القاضي بخلاف كتاب الله أو سنة نبي الله أو شئ مجمع عليه فإن القاضي يعده يرده .

الحالة الثانية : ظهور دليل جديد هو مقدم في وجوب الاخذ به على الدليل الذي قضى به القاضي إذا كان هذا الدليل الجديد يغير مجرى الحق ولذلك قال الثوري في المدعي الـذي
يذكر أنه لا يمكن تقديم الشهود لبعدهم مثلا أولا يريد تقديم الشهود لاعتبارات يراهـا الشـهودفإن القاضي ينقض حكمه الاول ويقضى بالحق للمدعى بيمينه ثم أحضر المدعى مقـدم علـى العمل باليمين . وللإمام الثورى رأى فيما إذا كانت الأدلة ليس بعضها على شهادته رجـلا فقضى القاضي بشهادته ثم جاء الشاهد الذي شهد على شهادته أي الشاهد الأصلـي فقـال لـم اشهده بشئ قال الثورى : نقول إذا قضى القاضي مضى الحكم ، لان قول الشــاهد الأصلـى

ليس بأولى بالتصديق من قول شاهد الفرح لأن كل واحد منهما عدل (66).وقد قال الدكتور عبد المعطي قلعجي في موسـوعة عمـر ص 567 ” إذا اصـدر القاضي حكما في قضية من القضايا ثم تغير اجتهاده في الحكم فيها فلا يجوز لـه أن يجعـل
للإجتهاد الجديد أثر رجعيا فنقضى به الحكم الذي أصدره قبل تغييره اجتهاده، كمـا لايجـوز لقاضي بعده أن ينقض الحكم الصادر . فعن سالم بن أبي الحق قال : ولو كان طاعنـا علـى عمر يوما من الدهر لطعن عليه يوم أتاه أهل نجران ، وكان على كتب الكتاب بين أهل نجران وبين النبي صلى الله عليه وسلم فكثروا على عهد عمر حتى خافهم على الناس، فوقع بينــهم الاختلاف فأتوا عمر فسألوه البدل فأبدلهم ثم ندموا . ووقع بينهم شي .فابوه ، فاستقالوه فــــأبي أن يقيلهم ن فلما ولى على أتوه فقالوا : يا أمير المؤمنين :شفاعتك بلسانك وخطك بيمينك فقـال على : ويحكم إن عمر كان رشيد الأمر .

قال الدكتور عبد المعطى قلعجي نحن نرى أن عمر رفض نقض القضاء الأول الـذي قضاه فيهم ورفض على بن أبي طالب من بعد عمر نقض القضاء الذي قضاه عمر فيهم.هذا وقد حدث كثير من التفسير في اجتهاد عمر في قضايا كثيرة، منها الحكم في الجد مع الأخوة ، واشراك الأخوة لأب، وأم مع الأخوة لأم في الثلث عندما لم يبـق للأخـوة لأب وأم من اليمراث شئ، ولم ينقل أنه أعاد إلى قضائه الأول فنقضه ولكنه يعمل باجتهاده الجديـد في القضايا المستقبله، ولا يمنعه حكمه القديم من اتباع الحق إذا لاح له.

زر الذهاب إلى الأعلى