آراء

شعبان شحاتة يكتب : قطعة من النار وبيان البرهان

الحكم يكون على الظاهر من البينات:قال عمر في رسالته لابي موسى الاشعري رضي الله عنه:”أن الله تبارك وتعالى تولى منكم السرائر ودرأ عنكم الشبهات”وروى عن ام سلمة رضي الله عنها-قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “انكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض، فاقضى له على نحو ما اسـمع منه، فمن قطعت له من حق اخيه شيئا فانما اقطع له قطعة من النار” متفق عليه ونستفيد مـن الحديث الشريف أن القاضي يحكم بالظاهر على ما يسمعه من الخصمين من قوة الحجة وبيـان البرهان والقاضي يؤجر على اجتهاده والذي يلحقه الاثم هو الذي كسب القضية بباطلة وكذلـك عظم الذنب والاثم لمن خاصم في باطل

وقد روى البخاري عن عبد الله بن عقبة قال : سمعت عمر بن الخطـاب رضـى الله عنه يقول : “أن اناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليــه وسـلم وان الوحي قد انقطع وانما ناخذكم الآن بما ظهر لنا من اعمالكم، فمن اظهر لنا خيرا امناه وقربنـاه وليس الينا من سريرته شئ الله يحاسب سريرته ومن اظهر لنا سوءا لم نامنه ولم نصدقـه وانقال أن سريرته حسنة.

وقال الامام ابن حزم الظاهري في بيان أنه يجب الوصول إلى الجاني بطريق شـرعي وليس عن طريق السجن والتعذيب فيقول : (لا يحل الامتحان في شئ من الاشياء بضـرب ولا بسجن ولا بتهديد لانه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ثابتة ولا اجماع ، فلا يحل ضرب مسلم ولا سبه إلا بحق اوجبه القرآن أو السنة الثابتة ويقول الله تعالى “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام”

فنستفيد من هذه الآية الاحتياط فيما يتعلق بامور الدين والدنيا واستبراء احوال الشـهود والقضاة وان الحاكم لا يعمل على ظاهر احوال الناس وما يبدو من ايمانهم وصلاحـهم حتـى يبحث عن باطنهم لان الله تعالى بين احوال الناس وان منهم من يظهر قولا جميلا وهو ينـوى قبيحا.

ويذكر ابن القيم رحمه الله الفاسق باعتقاده إذا كان محافظا فـى دينـه فـان شـهادته مقبولة. ويستدل من قول عمر بن الخطاب “وانما ناخذكم الآن بما ظهر لنـا مـن اعمـالكم”
يستفاد من ذلك قبول شهادة من لم تظهر منه ريبة نظرا إلى ظاهر حالة وانه يكفي في التعديـل ما يظهر من حال المعدل الاستقامة من غير كشف عن حقيقة سريرته لان ذلـك متعـذر إلا بالوحي فقد انقطع.

وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم وعد شهادة الزور في اكبر الكبـائر ولشـهادة الزور مفاسد كبيرة جدا فهي سبب لاضلال الحكام ليحكموا بغير ما انزل الله وان الذنب والاثـم على شاهد الزور كذلك تسبب ضياع الحقوق وحرمان صاحب الحق وهي سبب في اكل المـال بالباطل.

وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع” “أن دماءكم واعراضكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا فـي بلدكم هذا ألا هل بلغت.وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومة بباب حجرته، فخرج فاذا رجلان من الانصار جاءا يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درسـت في ارض تقادم شانها وهلك من يعرف من أمرها ليس عندها بينه ألا دعواهمـا فقـال لـهما رسول الله عليه الصلاة والسلام : “انكم تختصمون إلى وانما انا بشر مثلكم ولم ينزل على فيـه شئ واني انما اقضی براى فيما لم ينزل على فيه. ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجتـه مـن بعض فاحسب أنه صادق فاقضی به. فانی اقضى بينكم على نحو ما اسمع فمن قضيت له مـن حق اخيه شيئا ظلما فلا ياخذه، فانما اقطع له قطعة من النار يطوق بها من سبع ارضين”

وقال الامام سفيان الثوري “يجرى القضاء على الظاهر من الحال ولا يجوز للقـاضي أن يستبطن النوايا وقال الثوري في رجل قيل له : أطلقت امراتك عام الاول فقال : نعم ولــم يكن طلقها-قال الثورى يلزمه الطلاق في القضاء واما فيما بينه وبين الله تعالى فكذبـه وكـان عمر ياخذ بالادلة الظاهرة دون البحث عن النوايا فقد خطب عمر بالناس فقال فيما قال انا كنـا نصرفكم ورسول الله فينا والوحى ينزل وينبئنا باخباركم، واما اليوم فاننا نعرفكم باقوالكم فمـن اعلن لنا خيرا واجيناه عليه، ومن اعلن لنا شرا ظننا به شرا وابغضناه عليه، سرائركم فيمـا
بينكم وبين الله

وقال الامام السرخسي في المبسوط” فان الله تعالى تولى منكم السرائر يعني أن المحــق والمبطل ليس للقاضي طريق إلى معرفته حقيقة فان ذلك غيب ولا يعلم الغيـب إلا الله تعـالى ولكن الطريق للقاضي العمل بما يظهر عنده من الحجة واليه اشـار فـي قولـه ودرأ عنكـم بالبينات یعنی درأ عنكم اللوم في الدنيا والاثم والعقوبة في الآخرة وهو معنى الحديث المـروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القضاء جمرة فارفع الجمر عنك بعودين يعني شـهادة الشاهدين”

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى